للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حولها، ولم يبعث الله تعالى إلى من بمكة إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقد امتن الله تعالى على المؤمنين ببعث النبي منهم على هذه الصفة فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} الآية، [آل عمران: ١٦٤] ، فليس لله تعالى منه على المؤمنين أعظم من إرسال محمدًا صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وإنما كانت النعمة على هذه الأمة بإرساله أعظم النعم؛ لأن النعمة به صلى الله عليه وسلم تمت بها مصالح الدنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله تعالى الذي رضيه لعباده.

وقوله: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني أنه بشر مثلهم، وإنما امتاز عليهم بالوحي.

وقرئ في الشوا من أنفسهم -بفتح الفاء- يعني من أشرافهم؛ لأنه من بني


"وقد امتن الله تعالى"، وفي نسخة: من، وهما بمعنى أنعم مطلقًا، أو على من لا يطلب، ويكون بمعنى تعداد النعم "على المؤمنين، ببعث النبي منهم على هذه الصفة، فقال: {لَقَدْ مَن} أنعم {اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ولا يحمد المن إلا من الله تعالى؛ لأنه بمنه بذكر العبد، فيبعثه على الشكر، فيثيبه، ومن الخلق قبيح مطلقًا، ولذا قال لنبيه: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر} [المدثر: ٦] ، فالمن إذا حرام عليه، مكروه لغيره، وقيل بحرمته أيضًا، {بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} من جنسهم يعرفون حاله، وأنه ما قرأ ولا درس، وقد جاءه العلم دفعة، فقص سير الأولين والآخرين على ما هي عليه، فيعلم العاقل أنه أمر خارق من عند الخالق، كل ذلك إبلاغ في ظهور حجته ووضوح معجزته، فكيف يليق أن يجعل المقتضى مانعًا، فيلحدون ويجحدون، قاله ابن المنير في تفسيره.
{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} القرآن {وَيُزَكِّيهِمْ} ، يطهرهم من الذنوب، {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} القرآن، بالنصب، أي: اقرأ أو اذكر، "فليس لله تعالى منة على المؤمنين أعظم من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الحق" الإسلام، أو العقائد، "وإلى طريق مستقيم" من الشرائع، "وإنما كانت النعمة على هذه الأمة بإرساله أعظم النعم؛ لأن النعمة به صلى الله عليه وسلم تمت بها مصالح الدنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله تعالى" أحكامه وفرائضه، "الذي رضيه" اختاره "لعباده" كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] الآية، وقوله: {مِنْ أَنْفُسِهِم} ، يعني أن بشر مثلهم، وإنما امتاز عليهم بالوحي" لا ملك ولا أعجمي، "وقرئ في الشواذ: من أنفسهم "بفتح الفاء"، يعني من أشرافهم" وإذا كان من أشرفهم كان منهم ضرورة؛ "ولأنه من بني هاشم وبنو هاشم، أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل من غيرهم" وقد مر تفاصيل ذلك في المقصد الأول، وكذا

<<  <  ج: ص:  >  >>