"ومفهومه أن من لم يسمع به، ولم تبلغه دعوة الإسلام، فهو معذور" فيكون ناجيًا "على ما تقرر في الأصول أنه لا حكم قبل الشرع على الصحيح"، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ؛ ولأن الغافل لا يكلف، لقوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} ، ثم اختلف هل نجاة من لم تبلغه الدعوة ودخوله الجنة غير متوقفة على الامتحان، أو متوقفة عليه، لورود أحاديث كثيرة؛ بأنهم يمتحنون يوم القيامة ببعث رسول إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسامًا، ومن لم يدخلها سحب إليها. "وفي هذا الحديث نسخ الملل كلها برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم" لجعله من لم يؤمن برسالته من أهل النار، وإنما يكون كذلك بموته كافرًا، وكفره يستدعي نسخ الشريعة التي هو متمسك بها، والله أعلم. "وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} اليهود والنصارى {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} محمد صلى الله عليه وسلم {يُبَيِّنُ لَكُمْ} الدين، وحذف لظهوره أو ما كتمتم من الكتاب، كآية الرجم، وصفته صلى الله عليه وسلم، وحذف لتقدم ذكره، ويجوز أن لا يقدر مفعول على معنى يبذل لكم البيان، والجملة في موضع الحال، أي: جاءكم رسولنا مبينًا {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُل} ، متعلق بجاء، أي: على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحي، فتعلق على فترة بجاءكم تعلق الظرفية، كقوله: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} كراهة أن تقولوا ذلك، وتعتذروا به، فهو في موقع المفعول له، {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} متعلق بمحذوف، أي: لا تعتذروا بما جاءنا بأن تقولوا ذلك، قاله الكشاف. قال التفتازاني: أي: بمحذوف تفصح عنه الفاء، وتفيد بيان سببه، كالتي تذكر بعد الأوامر