للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ١٩] .

خاطب الله تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنه قد أرسل إليهم رسوله محمدًا خاتم النبيين الذي لا نبي بعده ولا رسول. بل هو المعقب لجميعهم، ولهذا قال تعالى: {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} أي من بعد مدة متطاولة، ما بين إرساله وعيسى ابن مريم.

وقد اختلفوا في مقدار هذه المدة، فقال النهدي وقتادة في رواية عنه:


والنواهي بيانًا لسبب الطلب، لكن كمال حسنها وفصاحتها أن تكون مبنية على التقدير، منبئة عن المحذوف، بخلاف قولك: أعبد ربك، فالعبادة حق له، ولكون مبنى الفاء الفصيحة على الحذف اللازم، بحيث لو ذكر لم يكن بتلك الفصاحة، تختلف العبارة في تقدير المحذوف، فتارة أمرًا أو نهيًا، كما في هذه الآية، وتارة شرطًا، كقوله: {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْث} [الروم: ٥٦] ، وتارة معطوفًا عليه، كقوله: فانفجرت {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [المائدة: ١٩] فيقدر على الإرسال تترًا، كما فعل بين موسى وعيسى إذا كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبي، وعلى الإرسال على الفترة، كما فعل بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، "خاطب الله تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ بأنه قد أرسل إليهم رسوله محمدًا خاتم النبيين الذي لا نبي بعده ولا رسول" بيان لخاتم النبيين، "بل هو المعقب لجميعهم"، أي: الجائي بعدهم، "ولهذا قال تعالى: {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُل} ، أي: من بعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى ابن مريم" والفترة لغة من فتر الشيء إذا سكنت حدته، سميت المدة التي بين الأنبياء فترة، الفتور الدواعي في العمل بتلك الشرائع.
"وقد اختلفوا في مقدار هذه المدة، فقال النهدي" "بفتح النون وإسكان الهاء" أبو عثمان عبد الرحمن بن مل "بلام ثقيلة، والميم مثلثة"، مشهور بكنيته، من كبار التابعين، مخضرم، ثقة، عابد، روى له الجميع، مات سنة خمس وتسعين، وقيل: بعدها، وعاش مائة وثلاثين سنة، وقيل: أكثر، "وقتادة" بن دعامة الأكمة التابعي، المشهور "في رواية عنه ستمائة سنةن ورواه البخاري" من حديث أبي عثمان النهدي "عن سلمان الفارسي" قال: فترة بين عيسى ومحمد ستمائة سنة.
قال الحافظ: أي: المدة التي لم يبعث فيها رسول من الله، ولا يمتنع أن ينبأ فيها نبي يدعو إلى شريعة الرسول الأخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>