للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابن مريم؛ لأنه ليس بيني وبينه نبي" وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي يقال له: خالد بن سنان، كما حكاه القاضي وغيره.

والمقصود: أن الله بعث محمدًا على فترة من الرسل وطموس من السبل وتغير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم والنفع به أعم.

وفي حديث عند الإمام أحمد مرفوعًا: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا من بني إسرائيل" وفي لفظ مسلم: "من أهل الكتاب" فكان


المهملة" الضرائر، وأصله أن من تزوج امرأة، ثم أخرى، كأنه عل منها بعدما كان ناهلًا من الأخرى، والعلل الشرب بعد الشرب، وأولاد العلات الأخوة من الأب وأمهاتهم شتى، فقوله: أمهاتهم إلخ، من باب التفسير كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: ١٩] ، ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد، وإن اختلف فروع الشرائع، وقيل: المراد أن أزمنتهم مختلفة.
"وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي، يقال له: خالد بن سنان" العبسي، "كما حكاه القاضي" عياض، وفي نسخة: القضاعي "وغيره".
ومن فتح الباري: استدل به على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر؛ لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية، المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وإن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى، والجواب أن هذا احديث يضعف ما ورد من ذلك، فإنه صحيح بلا تردد، وفي غيره مقال، أو المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة، وإنما بعث بعده بتقرير شريعة عيسى.
"والمقصود أن الله بعث محمدًا على فترة من الرسل، وطموس" مصدر طمس، محى ودرس "من السبل" أي: ذهاب الشرائع وعدم العلم بشيء منها، "وتغير الأديان" بتحريف ما يدل عليها وتبديله، "وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان" جمع صليب للنصارى، "فكانت النعمة به أتم، والنفع به أعم".
"وفي حديث عند الإمام أحمد، مرفوعًا: "إن الله نظر إلى أهل الأرض" نظر غضب، "فمقتهم" أبغضهم أشد البغض، لقبح ما ارتكبوه، والمراد من هذا ونحوه غايته "عجمهم" "بفتحتين"، وفي لغة بضم فسكون، خلاف العرب، "وعربهم إلا بقايا من بني إسرائيل" فلم يمقتهم لتمسكهم بالحق. "وفي لفظ مسلم: من أهل الكتاب" بدل قوله: من بني إسرائيل، ومعناهما واحدًا، "فكان الدين قد التبس على أهل الأرض كلهم، حتى بعث الله محمدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>