قال الإمام الرازي: كان العالم مملوء من الكفر والضلال، أما اليهود، فكانوا في المذاهب الباطلة من التشبيه والإفتراء على الأنبياء وتحريف التوراة، وأما النصارى، فقالوا بالتثليث، والابن والأب والحلول والاتحاد، وأما المجوس، فأثبتوا الهين، وأما العرب، فانهمكوا في عبادة الأصنام والفساد في الأرض، فلما بعث صلى الله عليه وسلم انقلت الدنيا من الباطل إلى الحق، ومن الظلمة إلى النور، وانطلقت الألسنة بتوحيد الله، فاستنارت العقول بمعرفة الله، ورجع الخلق من حب الدنيا إلى حب المولى. انتهى. "وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} "بضم الفاء"، في قراءة الجمهور، أي: منكم، وقرئ شاذًا "بفتح الفاء" أي: من خياركم وأشرفكم. وأخرج ابن مردويه عن أنس، قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} "بفتح الفاء"، وقال: "أنا أنفسكم نسبًا وصهرًا وحسبًا، ليس في آبائي من لدن آدم سفاح، كلنا نكاح"، {عَزِيزٌ} شديد {عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أن تهتدوا {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ} شديد الرحيم {رَحِيمٌ} يريد لهم الخير والرأفة مع الرحمة حيث وقعت مقدمة لا للفاصلة، كما قال البيضاوي ومن تبعه لوقوعه كذلك في غير الفواصل. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد: ٢٧] ، بل؛ لأن أصل معنى الرأفة التلطف والشفقة، كما صرح به القرطبي في شرح الأسماء، فقال: قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} الآية، حيث ذكر الوصفان، قدم الرؤوق على الرحيم في الذكر، وسببه أن الرحمة في الشاهد إنما تحصل بمعنى المرحوم من فاقته وضعفه وحاجته، والرأفة تطلق عندنا على ما يحصل الرحمة من شفقة على المرحوم". وقال المشايخ: الرؤوق المتعطف، والذي جاد بلطفه ومن يعطفه. انتهى، "أي: عزيز عليه عنتكم، أي: إثمكم بالشرك والمعاصي" بيان للمراد بالعنت، وإلا فهو لغة المشقة