للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: عزيز عليه عنتكم، اي إثمكم بالشرك والمعاصي. قال الحسن: عزيز عليه أن تدخلوا النار، حريص عليكم أن تدخلوا الجنة، ومن حرصه صلى الله عليه وسلم علينا أنه لم يخاطبنا بما يريد إبلاغه إلينا، وفهمنا إياه على قدر منزلته، بل على قدر منزلتنا، وإلى هذا أشار صاحب البردة بقوله:

لم يمتحنا بما تعيا العقول به ... حرصًا علينا فلم نرتب ولم نهم

أي لم نتحير ولم نشك فيما ألقاه إلينا. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] ، ولا رحمة مع التكليف بما لا يفهم.

ومن حرصه عليه السلام على هدايتنا أنه كان كثيرًا ما يضرب المثل بالمحسوس ليحصل الفهم، وهذه سنة القرآن، ومن تتبع الكتاب والسنة رأى من


والخطأ، "قال الحسن" البصري: "عزيز عليه أن تدخلوا النار" من عزا إذا صعب وشق، قال الشاعر:
يعز علينا أن نفارق من نهوى
"حريص عليكم أن تدخلوا الجنة" والحرص فرط الشدة، أو الشح على الشيء، أن يضيع، والمراد هنا شدة الطلب لما يريده ويحبه، "ومن حرصه صلى الله عليه وسلم علينا" على الرفق بنا "أنه لم يخاطبنا بما يريد إبلاغه إلينا، و" يريد "فهمنا إياه على قدر منزلته" بأن يأتي بالألفاظ المتناهية في البلاغة والقرابة خشية عدم فهمنا للمراد منهما، "بل على قدر منزلتنا" بالألفاظ المتداولة بين الناس، وإن نزلت في الرتبة عن غيرها ليسهل فهمها علينا، ويتضح المراد منها.
"وإلى هذا أشار صاحب البردة بقوله: لم يمتحنا" لم يبتلنا "بما" أي: بخطاب، "تعيا العقول" أي: تقصر عن فهمه لغموضه، فلا نهتدي إلى المراد "به، حرصًا علينا" أن لا نضل، "فلم نرتب ولم نهم، أي: لم نتحير" تفسير لنرتب، "ولم نشك فيما ألقاه إلينا" بل تحققناه لسهولته، "وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً} أي: للرحمة، {لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] ، والإنس والجن وغيرهم "ولا رحمة مع التكليف بما لا يفهم" بل هو عقاب.
"ومن حرصه عليه السلام على هدايتنا أنه كان كثيرًا ما يضرب المثل بالمحسوس، ليحصل الفهم" كقوله: $"لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير من أن يكون لك حمر النعم".
"وهذه سنة القرآن" عادته المستمرة أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما، "ومن تتبع الكتاب والسنة رأى من ذلك العجب العجاب" البالغ فيما يتعجب منه، لاشتماله على الأشياء البالغة في زيادة البيان والإيضاح والرفق بالمؤمنين، "ولما ساوى سبحانه وتعالى بين الناس"

<<  <  ج: ص:  >  >>