للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على أنه لو لم يكن مكتوبًا لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفرات، والعاقل لا يسعى فيما يوجب نقصان حاله، وينفر الناس عن قبول مقاله، فلما قال لهم عليه السلام هذا دل على أن ذلك النعت كان مذكورًا في التوراة والإنجيل. وذلك من أعظم الدلائل على صحة نبوته.

لكن أهل الكتاب كما قال الله تعالى: {يَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون} [البقرة: ١٤٦] ، و {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: ١٣] ، وإلا فهم -قاتلهم الله- قد عرفوا محمدًا صلى الله عليه وسلم كما عرفوا أبناءهم، ووجدوه عندهم مكتوبًا في التوراة والإنجيل، لكن حرفوهما وبدلوهما ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.


اإتباعه إذا وجد.
روى أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه، قال: كان في بني إسرائيل رجل عصى الله مائتي سنة، ثم مات فأخذوه، فألقوه على مزبلة، فأوحى الله إلى موسى أن أخرج فصل عليه، قال: يا رب بنو إسرائيل يشهدون أنه عصاك مائتي سنة، فأوحى الله إليه، هكذا كان إلا أنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبله، ووضعه على عينيه، وصلى عليه، فشكرت له ذلك، وغفرت هل وزوجته سبعين حوراء، "وهذا يدل على أن لو لم يكن مكتوبًا لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفرات" لهم عن اتباعه، "والعاقل لا يسعى فيما يوجب نقصان حاله" بل في الزيادة، "و" لا فيما "ينفر الناس عنه قبول مقاله" فكيف بأرجح الخلق عقلًا، "فلما قال لهم عليه السلام: هذا" المذكور من كتابة اسمه، وصفه بالنبي الأمي، "دل على أن ذلك النعت" أي: الوصف الذي وصف لهم به نفسه "كان مذكورًا في التوراة، والإنجيل، وذلك من أعظم الدلائل على صحة نبوته، لكن أهل الكتاب، كما قال تعالى: {يَكْتُمُونَ الْحَق} نعت محمد صلى الله عليه وسلم {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنه الحق، {يُحَرِّفُونَ} يبدلون {الْكَلِمَ} الذي في التوراة من نعت محمد وغيره، {عَنْ مَوَاضِعِهِ} التي وضعه الله عليها، "وإلا فهم قاتلهم الله قد عرفوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، كما عرفوا أبناءهم" كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [البقرة: ١٤٦] .
قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لقد عرفته صلى الله عليه وسلم حين رأيته، كما أعرف ابني، ومعرفتي لمحمد أشد، "ووجدوه عندهم مكتوبًا في التوراة والإنجيل، لكن حرفوهما وبدلوهما" عطف تفسير {ْلِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} بأقوالهم، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} يظهره {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ذلك، "فدلائل نبوة نبينا في كتابيهما بعد تحريفهما طافحة".

<<  <  ج: ص:  >  >>