للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلائل نبوة نبينا في كتابيهما -بعد تحريفهما- طافحة، وأعلام شرائعه ورسالته فيهما لائحة، وكيف يغني عنهم إنكارهم، وهذا اسم النبي بالسريانية "مشفح"، فمشفح، محمد بغير شك، واعتباره أنهم يقولون "شفحا لاها" إذا أرادوا أن يقولوا: الحمد لله، وإذا كان الحمد، شفحا، فمشفح: محمد؛ ولأن الصفات التي أقروا بها هي وفاق لأحواله وزمانه، ومخرجه ومبعثه وشريعته صلى الله عليه وسلم، فليدلونا على من هذه الصفات له، ومن خرجت له الأمم من بين يديه، وانقادت له


أي: ظاهرة، مالئة لكتابيهما من طفح الإناء امتلأ "وأعلام شرائعه ورسالته فيهما لائحة" فالباقي بعد التحريف كافٍ في بيان صدقه وإظهاره رسالته عليه السلام، "وكيف يغني عنهم إنكارهم وهذا اسم النبي بالسريانية" كما جزم به عياض وغيره.
"مشفح" بضم الميم وشين معجمة وفاء شديدة مفتوحتين، ثم حاء مهملة، مرفوع في النسخ الصحيحة، وفي كثيرها مشفحًا، بالنصب على الحال، أي: جاء حال كونه مشفحًا أو بتقدير يرى مشفحًا، لكن قال الدلجي: مشفح ممنوع الصرف للعلمية والعجمة.
وبالفاء جزم ابن دحية، وقال: أنه بوزن محمد، ومعناه وروى، كما قال المصنف بالقاف، وبه جزم الشمني والدلجي، وقال: القاف مفتوحة أو مكسورة، واقتصر المجد على الفتح، فقال: مشفح، كمعظم.
قال الحافظ البرهان: لا أعرف صحته ولا معناه، أي: سواء كان بالفاء أو بالقاف، وقال الدلجي: لا أعرف له معنى، ولعل مرادهما لا يعرفان هل معناه شافع، أو صاحب الحوض، أو اللواء، أو نحو ذلك، فلا ينافي قول عياض وابن دحية وغيرهما.
وتبعهم المصنف بقوله: "فمشفح محمد بغير شك" أي: معناه محمد، وهو ثابت في كتبهم بهذا الوصف، "واعتباره" أي: دليله؛ "أنهم يقولون "شفحا لاها" إذا أرادوا أن يقولوا الحمد لله، وإذا كان الحمد" أي: معناه في لغتهم "شفحا، فمشفح محمد"، وقد يقال: لا يلزم من التعبير عن الحمد لله بشفحا لاها أنه مشفح اسم لمحمد، لجواز أن يراد به اسم آخر، كمحمود أو ممدوح ونحوه.
إلا أن يقال: وجه الملازمة أنه إذا ثبت أن الحمد معناه الشفح، كان مصدرًا واسم المفعول المأخوذ من الحمد مصدرًا، هو محمد، فيكون مشفح بمعنى محمد؛ "ولأن الصفات التي أقروا بها" أيك بورودها في كتبهم "هي وفاق" أي: مطابقة "لأحواله وزمانه ومخرجه ومبعثه وشريعته صلى الله عليه وسلم" فإن أنكروا أنه هو، "فليدلونا على من هذه الصفات له" قامت به هذه الصفات هو النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>