للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستجابت لدعوته، ومن صاحب الجمل الذي هلكت بابل وأصنامها به؟

إذ لو لم نأت بهذه الأنباء والقصص من كتبهم، لم يك فيما أودع الله عز وجل القرآن دليل على ذلك؟ وفي تركهم جحد ذلك وإنكاره -وهو يقرعهم به- دليل على اعترافهم له؟ فإنه يقول: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} ، ويقول حكاية عن المسيح: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦] . ويقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١] ، ويقول: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [البقرة: ١٤٦] ، وكانوا يقولون لمخالفيهم


ولزمتهم الحجة، "ومن خرجت له الأمم"، أي: جاءت له طائعة مذعنة "من بين يديه" وقوله: "وانقادت له واستجابت" أجابت "لدعوته"، بيان للمراد به، "ومن صاحب الجمل الذي هلكت بابل" بلد في سواد العراق، ينسب إليه السحر والخمر، "وأصنامها به إذ" وفي نسخة على أنا "لو لم نأت بهذه الأنباء" الأخبار "والقصص من كتبهم" وجواب لو قوله: "لم يك فيما أودع الله عز وجل القرآن دليل على ذلك" وفي نسخ: ألم يك بهمزة الاستفهام الإنكاري، وعليها، فجواب لو محذوف، أي: لا يضرنا ذلك، أو كنا في غنية عنه، لكن حذف الهمزة أولى؛ لأن ذكرها لا يحصل المقصود من إلزامهم الحجة.
وقد يقال: بل يحصله بضميمة قوله: "وفي تركهم جحد ذلك وإنكاره" بالنصب، "وهو يقرعهم": يثربهم ويوبخهم "به دليل على اعترافهم له، فإنه يقول: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} باسمه وصفته، ويقول حكاية عن المسيح، {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا} في حال تصديقي لما تقدمني من التوراة، وبتذكيري {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} والعامل في الحالين ما في الرسول من معنى الإرسال لا الجار؛ لأنه لغو إذ هو صلة للرسول، فلا يعمل، قاله البيضاوي، "ويقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُون} تخلطون {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} بالتحريف والتزوير، {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ} أي: نعت النبي صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه حق، "ويقول: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} أي: محمد عليه السلام، {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} بنعته في كتبهم.
قال ابن سلام: بل معرفتي لمحمد أشد، "وكانوا يقولون لمخالفيهم عند القتال: هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>