وقد أخرج الدارمي ويعقوب بن سفيان في تاريخه، والطبراني عن عطاء بن يسار عن ابن سلام مثله، وعلقمة البخاري، قال الحافظ: ولا مانع أن يكون عطاء حمله عن كل منهما، فقد أخرجه ابن سعد عن زيد بن أسلم، قال: بلغنا أن عبد الله بن سلام، كان يقول: إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} بدل من بعض، أو بيان له {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} لأمتك المؤمنين بتصديقهم، على الكافرين بتكذيبهم، وانتصاب شاهدًا على الحال المقدر من الكاف أو من الفاعل أي: مقدرًا أومقدرين شهادتك على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي: مقبولًا عند الله لهم وعليهم، أو شاهدًا للرسل قبله بالبلاغ {وَمُبَشِّرًا} للمؤمنين {وَنَذِيرًا} للكافرين، أو مبشرًا للمطيعين بالجنة، ونذيرًا للعصاة بالنار، "وحرزًا" بكسر المهملة، وإسكان الراء، ثم زاي، أي: حصنًا "للأميين" أي: للعرب؛ لأن أكثرهم لا يقرؤون ولا يكتبون، يتحصنون به عن غوائل الدهر، أ, سطوة العجم وتغلبهم، فخصهم لذلك أولًا رسالة بين أظهرهم، أو لشرفهم، أو من مطلق العذب ما دام فيهم، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، أو من عذاب الاستئصال، فلا يرد أن دعوته عامة، وجعله نفسه حرزًا، مبالغة لحفظه لهم في الدارين، "أنت عبدي" الكامل في العبودية "ورسولي" فقدم العبودية لشرفها، فإن له بها مزيد اختصاص، ولذا اقتصر عليها في الإسراء وإنزال الكتاب، وليست بالمعنى العام الذي يتصف به كل مخلوق، بل بالخاص الذي رضيه له حتى أطلعه على حظائر قدسه، وجعله رسولًا مبلغًا عنه، وكفاء جميع مؤناته، فقال: أليس الله بكاف عبده، فإن الملك لا يرضى بوقوف عبده بباب غيره، واحتياجه لسواه، وإهانة أحد له، فإنه هو الذي يؤدبه، كما قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي، فلذا قال: "سميتك المتوكل" دون جعلتك أو وصفتك، المنادى بشدة توكله الذي صيره علمًا له، ففيه أشعار بشدة توكله، الساري في أمته صلى الله عليه وسلم، وخطابه بما في التوراة خطاب للحاضر في العلم، وبالماضي في أرسلناك لتحققه، أو حكاية لما يقال في المستقبل؛ أو لاستحضار الآتي، وعبر بما يعبر به عنه في الآتي: "ليس بلفظ" سيئ الخلق، جاف، "ولا غليظ" قاسي القلب،