للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتباسه واحتجابه.

وأيضًا فإن الذي اقتضته رحمته أن لا يترك عباده في ظلمة الليل سرمدًا بل هداهم بضوء النهار إلى مصالحهم، ومعايشهم لا يتركهم في ظلمة الغي والجهل بل يهديهم بنور الوحي والنبوة إلى مصالح دنياهم وآخرتهم، فتأمل حسن ارتباط المقسم بالمقسم عليه.

وتأمل هذه الجزالة والرونق الذي على هذه الألفاظ، والجلالة التي في معانيها.

ونفى سبحانه أن يكون ودع نبيه أو قلاه، فالتوديع: الترك، والقلى: البغض،


عنك فنزلت: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ، قال الحافظ: هي زوجته خديجة، كما في المستدرك وغيره، فخاطبته كل واحدة منهما بما يليق بها، والعوراء قالته شماتة، وخديجة توجعًا، وقصة إبطاء الوحي بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، بل شاذ، مردود بما في الصحيح، وتقدم لهذا مزيد قريبًا، "فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي، ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه"، فهذه مناسبة بين القسم والمقسم عليه، "وأيضًا" مناسبة أخرى، "فإن الذي اقتضته رحمته" الذي امتن بها في قوله: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: ٧٣] ، "أن لا يترك عبادة في ظلمة الليل سرمدًا" إلى يوم القيامة، "بل هداهم بضوء النهار إلى مصالحهم ومعايشهم"، كما قال: ولتبتغوا من فضله، "لا يتركهم في ظلمة الغي والجهل، بل يهديهم بنور الوحي والنبوة إلى مصالح دنياهم وآخرتهم، فتأمل حسن ارتباط القسم بالمقسم عليه" بكل من المناسبتين، "وتأمل هذه الجزالة" العظمة والحسن، "والرونق" الحسن، فهو مساوٍ حسنه اختلاف اللفظ.
ولذا قال: "الذي على هذه الألفاظ" اقتصارًا على وصف لرونق المساوي لما قبله معنى، حتى كأنهما اسم واحد، "والجلالة": العظمة "التي في معانيها" لكثرتها مع وجازة لفظها، "ونفى سبحانه أن يكون ودع نبيه" أي: قطعه قطع المودع، وقرئ بالتخفيف، أي: تركك كما في الأنوار، "أو قلاه" أبغضه، "فالتوديع الترك" لعله بيان المراد من الآية إذ الترك معنى الوداع مخففًا، وأما بالتثقيل، فتشييع المسافر، كما في اللغة، ولذا غاير البيضاوي في تفسير القراءتين كما رأيت، لكن في النسيم الوداع له معنيان في اللغة الترك وتشييع المسافر، وكلهم فسروه بالترك، ولما رأوا صيغة التفعيل تفيد زيادة المعنى، والمبالغة فيه تقتضي الانقطاع التام، قالوا: المبالغة في النفي لا في المنفي، أو النفي القيد، والمقيد ويجوز أن يفسر بتشييع المسافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>