إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنك البعاد وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا فقوله: {وَمَا قَلَى} ، مؤكدًا له، وهذا لم أر من ذكره مع غاية لطفه، "والقلى" "بكسر القاف والقصر"، وقد يمد "البغض"، مصدر قلي بوزن رمى، "أي: ما تركك منذ اعتنى بك" وهو من أول أمره تفسير ما ودعك، "وما أبغضك منذ أحبك"، تفسير للقلا، وفي الشفاء، أيك ما تركك وما أبغضك وقيل: ما أهملك بعد أن اصطفاك وزعم شارح أن المشهور الثاني واختار الأول لمناسبته لما قبله، والإهمال عدم التقييد مع الترك، فهو ترك مخصوص "وحذف الكاف من قلى اكتفاء بكاف ودعك" فهو اختصار للعلم به؛ "ولأن رؤوس الآي بالياء، فأوجب اتفاق الفواصل حذفها"، ولئلا يخاطبه بالبغض، وإن كان منفيًا، أو ليطعمه وأصحابه وأمته، واستحسن، "وهذا يعم كل أحواله، وأن كل حالة يرقيه إليها هي خير له مما قبلها" إذ كأنه قيل: ما ودعك لبغض، وسترى منزلتك، ففيه إفادة الترقي في الأحوال في الدنيا، "كما أن الدار الآخرة هي خير له مما قبلها" كما قال: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} ، واللام للابتداء مؤكدة، أو جواب قسم، ففيه تعظيم آخر، أي: كما أعطاك في الدنيا يعطيك في الآخرة مما هو أعلى وأكثر، فلا تبال بما قالوه، فهو وعد فيه تسلية بعدما نفي عنه ما يكره، فهو تحلية بعد تخلية، "ثم وعده" بقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} ، "بما تقر" "بفتح القاف الفوقية" "به عينه" أي: تسكن "وبتحتية أوله وشدة القاف مكسورة ونصب عينه"، يقال: قرت العين وأقر الله العين. قال في فتح الباري: قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه؛ لأن عينه قرت، أي: سكنت حركاتها عن التلفت لحصول غرضها، فلا تتشوف شيء آخر، فكأنه مأخوذ من القرار، وقيل: معناه أنام الله عينك، وهو يرجع إلى هذا، وقيل: بل هو مأخوذ من القر، وهو البرد، أي: أن عينه بارة لسروره ولذا قيل: دمعة السرور باردة، ودمعة الحزن حارة، ومن ثم