للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه، تبدى له جبريل فقال: "يا محمد إنك رسول الله حقًا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه


فما في الصحيح أصح، وأن لحظنا الجمع أمكن أن الواو في: وفتر الوحي، ليست للترتيب ولعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرًا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع، انتهى.
واعتمد هذا في الإصابة، وأول قوله: أن توفي بأن معناه قبل اشتهار الإسلام والأمر بالجهاد، انتهى. وقد أرخ الخميس موت ورقة في السنة الثالثة من النبوة، وقيل: الرابعة. وأما قول الواقدي إنه قتل ببلاد لخم وجذام بعد الهجرة فغلط بين، فإنه دفن مكة؛ كما نقله البلاذري وغيره.
"وفتر الوحي" أي: احتبس جبريل عنه بعد أن بلغه النبوة، "فترة" سيذكر المصنف قدرها، حتى حزن" بكسر الزاي "النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا" جزم عياض بأن هذا قول معمر وخالفه السيوطي والمصنف تبعًا للحافظ، وقالوا: هو شيخه الزهري، "حزنًا غدا" بغين معجمة من الذهاب، وبمهملة من الغدو وهو الذهاب بسرعة "منه" أي: الحزن "مرارًا كي يتردى" يسقط "من رءوس شواهق الجبال" أي: طوالها جمع شاهق وهو العالي الممتنع.
وعند ابن سعد من حديث ابن عباس: مكث أيامًا بعد مجيء الوحي لا يرى جبريل فحزن حزنًا شديدًا حتى كان يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء أخرى يريد أن يلقي نفسه، "فكلما أوفى" بفتح الهمزة وسكون الواو: أشرف، "بذروة" بكسر الذال المعجمة وتفتح وتضم: أعلى، "جبل لكي يلقي نفسه" إشفاقًا أن تكون الفترة لأمر أو سبب "منه" فخشي أن تكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع بالنهي عنه فيعترض به أو لما أخرجه من تكذيب من بلغه؛ كما قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: ٦] الآية، ذكرهما عياض.
وقول المصنف: أو حزن على ما فاته من بشارة ورقة، ولم يخاطب عن الله بأنه رسول الله ومبعوث إلى عباده فيه أن في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق: أنه ناداه: أنت رسول الله وأنا جبريل بعد الغط، وقبل أن يأتي إلى خديجة. "تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقًا" وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد: فبينما هو عامد لبعض تلك الجبال إذ سمع صوتًا فوقف فزعًا ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعًا، يقول: يا محمد، أنت رسول الله حقًا وأنا جبريل، "فيسكن لذلك جأشه" بجيم فهمزة ساكنة، ويجوز تسهيلها فشين معجمة، أي: اضطراب قلبه، "وتقر" بفتح الفوقية والقاف، "نفسه"

<<  <  ج: ص:  >  >>