للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقصتكم من أجركم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء، فكنتم أقل عملًا وأكثر أجرًا. رواه البخاري.

قالوا: فهذا الحديث دل على أن العصر هو عصره صلى الله عليه وسلم الذي هو فيه،


الظهر إلى العصر أطول قطعًا، وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة؛ وبأن الخبر إذا ورد في معنى مقصود، لا يؤخذ منه المعارضة، لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودًا في أمر آخر؛ وبأنه ليس في الخبر، نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملًا، لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين، وباحتمال أن أطلق ذلك تغليبًا، وباحتمال أن ذلك قول اليهود خاصة، فيندفع الاعتراض من أصله، كما جزم به بعضهم، وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة، بل هو عموم أريد به الخصوص وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملًا أن يكونوا أكثر زمنًا، لاحتمال أن عمل زمنهم أشق، ويؤيده قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦] ، ومما يؤيده أن المراد كثرة العمل وقلته، لا بالنسبة إلى طول الزمن وقصره، اتفاق أهل الأخبار على أن المدة التي بين عيسى ونبينا دون المدة التي بين نبينا وقيام الساعة؛ لأن جمهور أهل الأخبار قالوا: مدة الفترة بين عيسى ونبينا ستمائة سنة، وثبت ذلك في البخاري عن سلمان وقيل: إنها دون ذلك حتى قال بعضهم: إنها مائة وخمس وعشرون سنة ومدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانيين وقصرهما، للزم أن وقت العصر أطول من وقت الظهر، ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته، كما قاله في الفتح: وأقل أجرًا، فقال الله تعالى: وهل نقصتكم من أجركم" الآية، الذي شرطه لكم شيئًا.
وفي رواية: هو ظلمتكم من حقكم "شيئًا، قولوا: لا". لم تنقصنا شيئًا، وإنما لم يكن ظلمًا؛ لأنه تعالى شرط معهم شرطًا، وقبلوا أن يعملوا به، "قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء" من عبادي.
قال الطيبي: ما ذكر من المقاولة والمكالمة، لعله تخييل وتصوير، ولم يكن حقيقة؛ لأنه لم يكن ثمة هذه الأمة، اللهم إلا أن يحمل ذلك على حصوله عند إخراج الذر، فيكون حقيقة.
قال صلى الله عليه وسلم: "فكنتم أقل عملًا وأكثر أجرًا" ممن كان قبلكم، "رواه البخاري" من حديث ابن عمر في الصلاة، والإجارة وفضل القرآن، وفي ذكر بني إسرائيل، وفي التوحيد، بألفاظ متقاربة ليس في محل منها بهذا اللفظ، وإنما هو لفظ مسلم.
وأخرجه البخاري، بنحوه من حديث أبي موسى، لكن ظاهر سياقهما أنهما قضيتان، وحاول بعضهم الجمع بينهما، فتعسف كما في الفتح، "قالوا: فهذا الحديث دل على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>