قال السهيلي: ولم ير الإسماعيلي أن هذا محال في مبدأ الأمر؛ لأن العلم الضروري لا يحصل دفعة واحدة وضرب مثلا بالبيت من الشعر تسمع أوله فلا تدري أنظم هو أم نثر، فإذا استمر الإنشاد علمت قطعًا أنه قصد به الشعر، كذلك لما استمر الوحي واقترنت به القرائن المقتضية للعلم القطعي، وقد أثنى الله عليه بهذا العلم، فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: ٢٨٥] إلى قوله: {وَرُسُلِهِ} [البقرة: ٢٨٥] . "وقيل: إن خشيته كانت من قومه أن يقتلوه" وإن كان عالمًا بأن ما جاءه من ربه، "ولا غرو" بغين معجمة مفتوحة فراء فواو: ولا عجب في خشيته ذلك، وإن كان سيد أهل اليقين؛ لأن ذلك مما يرجع للطبع. "فإنه بشر يخشى من القتل والأذية كما يخشى البشر" ثم يهون عليه الصبر في ذات الله كل خشية ويجلب إلى قلبه كل شجاعة وقوة قاله في الروض. ثالثها: خشي الموت من شدة الرعب. رابعها: تعييرهم إياه، قال الحافظ: وهذان أَولى الأقوال بالصواب، وأسلمها من الارتياب وما عداهما معترض؛ خامسها خشي المرض، وبه جزم ابن أبي جمرة. سادسها: دوامه. سابعها: العجز عن رؤية الملك من الرعب. ثامنها: مفارقة الوطن. تاسعها: عدم الصبر على أذى قومه. اشرها: تكذيبهم إياه. حادي عشرها: مقاومة هذا الأمر وحمل أعباء النبوة، فتزهق نفسه أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولا عند لقاء الملك. ثاني عشرها: إنه هاجس، قال الحافظ: وهو باطل؛ لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة. وأما قول عياض: هذا أول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك وتحقق رسالة ربه، أما بعد أن جاءه بالرسالة، فلا يجوز عليه الشك فضعفه النووي بأنه خلاف تصريح الحديث، بأن هذا بعد الغط وإتيانه: {اقْرَأْ} [العلق: ١] ، وأجاب العيني: بأن مراده إخبارها بما حصل له؛ لأنه خاف حال الإخبار فلا يكون ضعيفًا. وقوله: "ما أنا بقارئ". أي: إني أمي، فلا أقرأ الكتب, فما نافية لا استفهامية لوجود الباء في الخبر، وإن جوزه الأخفش فهو شاذ والباء زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أحسن القراءة. قال السهيلي: فلما قال ذلك ثلاثًا، قيل له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] ، أي: لا بقوتك ولا