للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: ٥٤] .

ولما استبعدوا أن يبعث الله رسولًا من البشر بقولهم الذي حكاه الله عنهم: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٤] وجهلوا أن التجانس يورث التآنس، وأن التخالف يورث التباين. قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٥] ، أي لو كانوا ملائكة لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة، لكن لما كان أهل الأرض من البشر وجب أن يكون رسولهم من البشر.


عليهم عن رسوله، ونافح" "بالفاء والحاء المهملة"، أي: منع ودافع "عنه، فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس} " أي: محمدا صلى الله عليه وسلم " {عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} " من النبوة وكثرة النساء، أي: يتمنون زواله عنه، ويقولون: لو كان نبيًا لاشتغل عن النساء، " {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ} " جد محمد صلى الله عليه وسلم، كموسى وداود، وسليمان " {الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ": النبوة " {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} " [النساء: ٥٤] الآية، فكان لداود تسع وتسعون امرأة، ولسيمان ألف ما بين حرة إلى سرية، "ولما استبعدوا أن يبعث الله رسولًا من البشر، بقولهم: الذي حكاه الله عنهم، " {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا} " أي: قولهم منكرين " {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} " [الإسراء: ٩٤] ، وجهلوا أن التجانس يورث التوانس"، فيمكن مخاطبته والفهم عنه، "وأن التخالف" في الجنس "يورث التباين"، فلا يمكن ذلك، فمن حكمة الله جعل الرسول بشر إلا ملكًا.
"قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٥] الآية، يحتمل أنه حال من رسولًا، وأنه مفعول، وكذلك بشرًا، والأول أوفق، "أي: لو كانوا ملائكة، لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة، لكن لما كان أهل الأرض من البشر، وجب أن يكون رسولهم من البشر"، لتمكنهم من الاجتماع به واللقى معه، وأما الإنس، فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس، قال البيضاوي، وفي الشفاء أي: لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه، أو من خصه الله واصطفاه، وقواه على مقاومته، كالأنبياء والرسل، وفي الآية الأخرى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} ، أي: جعلناه على صورة رجل ليتمكنوا من رؤيته، إذ لا قدرة للبشر على رؤية الملك، "فما أجل هذه الكرامة"، أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>