للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: ٢-٣] .

فقد احتج بها جماعة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين المجوزين للصغائر على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وبظواهر كثيرة من القرآن والحديث، إن التزموا ظواهرها أفضت بهم -كما قال القاضي عياض- إلى تجوزيز الكبائر، وخرق الإجماع، وما لا يقول به مسلم، فكيف وكل ما احتجوا به منها مما اختلف المفسرون في معناه، وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه، وجاءت أقاويل فيها للسلف


وفي الكشاف من قال: إنه كان على أمر قومه أربعين سنة، أن اراد خلوه عن الأمور السمعية فنعم، وإن أراد على كفرهم ودينهم، فمعاذ الله، فإنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء معصومون قبل النبوة وبعدها عن الكبائر والصغائر البتة، فما بالك بالكفر والجهل بالله، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيءء وكفى نقيصة عند الكفار أن يسبق منه كفر انتهى.
"وأما قوله تعالى": قسيم لمقدر أول النوع، أي: منها ما ذكره بقوله: قال الله تعالى: {وَوَضَعْنَا} حططنا {عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ} أثقل: {ظَهْرَكَ} [الانشراح: ٢] ، "فقد احتج بها جماعة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين" أي: علماء الكلام الباحثين عن العقائد، سموا بذلك لأن مسألة كلام الله من أجل مباحثة، أو لكثرة دور الكلام فيه بين السلف "المجوزين" بلا واو في نسخ، وهي ظاهرة، وفي نسخة بالواو كأكثر الأصوليين "للصغائر على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام" حيث أبقوها على ظاهرها أن الوزر هو الإثم، "وبظواهر كثيرة من القرآن والحديث" أتى بظواهر إشارة إلى أنها ليست بحجة في الباطن "إن التزموا ظواهرها"، بأن قالوا: بلزوم اعتقاد الظاهر منها "أفضت بهم" أوصلتهم، "كما قال القاضي عياض: إلى تجويز الكبائر" عليهم عمدًا، "وخرق الإجماع" أي: مخالفة ما أجمع عليه الناس من قولهم: خرق المفازة إذا قطعها، فأريد به لازمه وهو المجاوزة "وما لا يقول به مسلم" أي: أفضت بهم إلى رأي: لم يقله أحد من المسلمين، لأن الآيات والأحاديث التي احتجوا بها، كما تشمل الكبيرة من حيث أنه إثم وذنب، وتشمل كل ما أجمع على أنه لا يقع منهم، مع أنهم لا يقولون بجواز وقوع الكبيرة منهم عمدًا، إذ لم يقله إلا الحشوية، ولا عبرة بهم ولا بجواز خرق الإجماع، وأما سهو فأجازه بعضهم، واختلف في أن امتناعه سمعي أو عقلي، كما مر، "فكيف" يسوغ لهم الاحتجاج بتلك الظواهر، "وكل ما احتجوا به منها مما اختلف المفسرون في معناه" فطرقته الاحتمالات فسقطت به الدلالات، "وتقابلت": تخالفت وتعارضت "الاحتمالات في مقتضاه" من تجويز وقوع ما خرج به عن

<<  <  ج: ص:  >  >>