للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمر الشباب، فخرجت حتى أتيت أول دار من دور مكة سمعت عزفًا بالدفوف والمزامير فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فنمت، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك فضرب الله على أذني فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته.


فزعم أن رعيهم لها إنما كان بعد البعثة تهور، وتمسكه لذلك بالحديث المذكور أعجب، منشؤه عدم الوقوف على شيء، "فأسمر بها" "بضم الميم"، أي: أتحدث.
قال المجد: وسمر سمر، أو سمورًا لم يتم، والسمر محركة الليل وحديثه، وفي خطبته، إذا ذكر المصدر، فالفعل بزنة كتب، "كما يسمر" "بفتح أوله وضم الميم" يتحدث "الشباب، فخرجت حتى أتيت أول دار من دور مكة سمعت عزفًا" "بمهملة وزاي وفاء بزنة فلس"، أي: لعبًا من باب التجريد، استعمل العزف في مطلق اللعب من استعمال المطلق في مقيده، فعلق به قوله: "بالدفوف": جمع دف، آلات يضرب بها، وإلا فالعزف اللعب بالدف "بضم الدال وفتحها"، "والمزامير": جمع مزمار "بكسر الميم"، "فجلست أنظر غليهم، فضرب الله على أذني"، أي: بعث عليهما النوم، "فنمت" فلم أسمع شيئًا، "فما أيقظني إلا مس الشمس" أي: حرها، "ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، فضرب الله على أذني، فما أيقظني إلا مس الشمس" فلم أسمع شيئًا، "ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته" فكأنه عبر بضالًا عن هذا الهم مرتني، وأنه هداه بصرفه عن ذلك، بإلقاء النوم عليه، إشارة إلى عنايته به من صغره ومنعه من سماع لغط الجاهلية ولعبهم وغنائهم، وإن لم يكن ذلك حينئذٍ ضلالًا، لأنه صانه من قبل البعثة عما يخالف الشرع.
وقيل: معناه وجدك ضالًا لم يعرفك أحد بالنبوة حتى أظهرك الله، فهدى بك السعداء.
وقيل: وجدك ضالًا بين مكة والمدينة فهداك إلى المدينة وقيل: وجدك قائمًا بأعباء الرسالة وتبليغها، فهدي بك ضالًا.
وعن جعفر بن محمد: وجدك ضالًا عن محبتي لك في الأزل، أي: لا تعرفها، مننت عليك بمعرفتي.
وقيل: ناسيًا فهداك، كقول موسى {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: ٢٠] وقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: ٢٨٢] ، أي: تنسى.
وقرأ الحسن بن علي: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} أي: اهتدى بك، حكاها في الشفاء، ثم قال: لا أعلم أحدًا من المفسرين، قال: فيها ضالًا عن الإيمان، وقد قال ابن عباس: لم يكن له ضلالة معصية انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>