للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعف الحياة وضعف الممات، أي ضعف ما يعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك، لأن خطأ الخطير أخطر، وقد أعاذه الله تعالى من الركون إلى أعدائه بذرة من قلبه. ومما يعزى للحريري مما يؤيد ذلك قوله:

أنحوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لسان جرهم وثمود

إذا استعملت في صورة الجحد اثبتت ... وإن اثبتت قامت مقام جحود

وفسر الأول وهو النفي المثبت بنحو {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١] وقد فعلوا والثاني وهو الثبوت المنفي بنحو قوله تعالى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} قالوا: وهو صلى الله عليه وسلم ثبت قلبه ولم يركن.


مقاربة ذلك، "ولو قاربت لأذقناك ضعف" عذاب "الحياة وضعف" عذاب "الممات" تفسير لقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ} "أي: ضعف ما يعذب في الدارين" الدنيا والآخرة "بمثل هذا الفعل غيرك، لأن خطأ" أي: ذنب "الخطير" الشريف "أخطر" أعظم من غيره، لأنه لشرفه حقه أن لا يقرب مما يلام عليه، بل يصون نفسه عن الفهوات وإن صغرت، "وقد أعاذه الله تعالى" أي: عصمه "من الركون إلى أعدائه" أي: أعدء الله "بذره من قلبة" أي: بشيء قليل صغير جدًا كالذرةى فضلًا عما فوقها.
"ومما يعزى للحريري مما يؤيد ذلك" أي: إن كاد نا، بمعنى قرب "قوله": ملغزًا:
"
انحوى هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني جرهم وثمود"
جرهم: بضم الجيم، حي من اليمن، وثمود قوم صالح، وخصهما زيادة في التعمية:
"إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت
وإن أثبتت قامت مقام جحود"
"وفسر الأول، وهو النفي المثبت، بنحو {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١] لغلاء ثمن البقرة، "وقد فعلوا" بنص، فذبحوها.
"الثاني: وهو الثبوت المنفي، بنحو قوله تعالى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} ، قال: أي: العلماء كلهم، "وهو صلى الله عليه وسلم ثبت قلبه ولم يركن" بنص قوله: {ثَبَّتْنَاكَ} وأيده بذلك وإن كان ضعيفًا لاشتهاره، كما في شرح الكافية والمغني، وقالا: إن من زعممهم لم يصب، بل حكم كاد حكم سائر الأفعال، فمعناها منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها، فإذا قيل: كان زيد يبكي، معناه: قارب البكاء، فمقاربة البكاء، ثابتة، وإذا قيل: لم يكد يبكي، فمعناه: لم يقارب البكاء، فمقاربته منفية، ونفسه منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>