للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٤، ٤٥، ٤٦] .

فالمعنى: لو افترى علينا بشيء من عند نفسه لاخذنا منه باليمين وقطعنا نياط قلبه وأهلكناه، وقد أعاذه الله تعالى من التقول عليه.

فإن قلت: لا مرية أنه يعفي للمحب ولصاحب المحاسن والإحسان العظيم ما لا يعفي لغيره، ويسامح بما لا يسامح به غيره، كما قال الشاعر:

وغذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع

ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو الحبيب الأعظم ذو المحاسن والإحسان الأكبر، فما هذه العقوبة المضاعفة والتهديد الشديد الوارد إن وقع منه ما يكره، وكم منه


وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} [الحاقة: ٤٤] ، أي: افترى، سمي تقولا، لأنه قول متكلف، والأوال المفتراة أقاويل تحقيرًا لها، كأنها جمع أفعوله من القول، كالأضاحيك {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} بالقوة والقدرة، {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٦] الآية، نياط القلب، وهو عرق متصل به إذا انقطع مات صاحبه، "فالمعنى: لو افترى علينا بشيء من عنده نفسه" كما زعم الكفار بنحو: إن هذا إلا إفك افتراه "لأخذنا": لنلنا "منه" عقابًا "باليمين، وقطعنا نياط قلبه، وأهلكناه، وقد أعاذه الله تعالى من التقول عليه"، أفلا تعقون أنه تنزل من رب العالمين، فالآية من جملة مدحه، إذ فيها القسم على تصديقه بجميع الموجودات، وأنه لا يمكنه الافتراء عليه" فإن قلت: لا مرية" لا شك "أنه يعفي للمحب":اسم مفعول المحبوب أو اسم فاعل، أي: لمن أحب غيره، ولا شك أنه عليه السلام محب لله ومحبوب له، ولصاحب المحاسن والإحسان العظيم ما لا يعفي لغيره، ويسامح مما لا يسامح به غيره، كما قال الشاعر:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وفي القرآن إشارة إليه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: ١٨] ، "ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو الحبيب الأعظم" من كل حبيب، "ذو المحاسن والإحسان الأكبر" الفائق على كل محسن، "فما هذه العقوبة المضاعفة" بقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ} إلخ.
"والتهديد الشديد في قوله: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ} إلخ، "الوارد" كل منهما، "إن وقع منه ما يكره" "بكسر الهمزة وسكون النون شرط"، "وكم من راكن إلى أعدائه"أي: الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>