للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيه، وتوصلهم إلى منازل لم


"بفاء ونون" "المحبون" أي: تغالبوا في فنائهم فيها، فكل يريد أن يغلب غيره فيها، بأن تزيد محبته على محبة غيره، "وبروح نسميها "بفتح الراء"،بمعنى الراء"، بمعنى الراحة، كأنهش به المحبة من حيثاللذة وانبساط النفس بها طيبة هابة، تحيا بها النفوس، واثبت لها النسيم تخييلًا، والروح بمعنى الراحة تشريحًا "بروح" بالتثقيل "العابدون" أي: وصل إليهم رائحة منها اطمأنت بها نفوسهم واستلذوا بها وارتاحوا، "فهي قوت القلوب" أي: هي للقلوب كالقوت من حيث أنها تحيا بها، وتتقوى، كما يقوي البدن بالقوت، وهو مكا يقوم به من الطعام جمعه أقوات "وغذاء" "بكسر الغين وذال معجمتين" "الأرواح": جمع روح، بالضم يذكر ويؤنث، تشبيه بليغ كسابقه، أو كل منهما استعارة نحو زيد أسد، وأضاف القوت للقلوب، لأنها من البدن، وهو ينتفع بما يؤكل، والغذاء للأرواح، لأنها لا تنتفع بما يؤكل وإنما تنتفع بالأذكار ونحوها.
"وقرة" "بضم القاف" "العيون" أي: سرورها بالمحبة وسكونها عن الالتفات إلى غيرها، "وهي الحياة، التي من حرمها فهو جملة الأموات" لأنه لا يجد لذتها كالأموات، ولا عائدتها، "والنور الذي من فقده، ففي بحار الظلمات" أي: فهو كالمنغمر فيها، بحيث لا يهتدي إلى شيء ينفعه، "والشفاء" بالمد.
قال ابن الجوزي في كتابه نزهة البيان: الشفاء ملائم للنفس، يزيل عنها الأذى، ويستعمل في القرآن على ثلاثة أوجه: الفرح، كقوله: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} أي: بسرهم والعاقبة كقوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] الآية، والبيان، كقوله: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: ٥٧] ، "الذي من عدمه" "بكسر الدال" فقده "حلت بقلبه جميع الأسقام": الأمراض الطويلة "واللذة التي من لم يظفر": يفز "بها، فعيشه كله هموم" أحزان جمع هم، "والآم" جمع ألم، "وهي روح الإيمان" تشبيه بليغ، أي: له كالروح للأبدان، "و" روح "الأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت" تلك الأربعة "منها، فهي كالجسد الذي لا روح فيهِ" فهو بيان لوجه الشبه في الأربع، ويحتمل أنه بيان لقوله، وهي روح الحياة، إلى هنا "تحمل أثقال" أحمال "السائرين إلى بلد لم يكونوا إلا بشق الأنفس": بجهدها "بالغيه" واصلين إليه على غيرها. وأخر بالغيه لرعاية السجع، "وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها

<<  <  ج: ص:  >  >>