للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونوا بدونها أبدًا وأصليها، وتبوؤهم من مقاعد الصدق إلى مقامات لم يكونوا لولا هي داخليها، وهي مطايا القوم التي سراهم في ظهورها دائمًا إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معيةمحبوبهم أوفر نصيب، وقد قدر الله يوم قدر مقادير الخلق بمشيئة وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة، لقد سبق القوم المحبين السعادة وهم على ظهور الفرش


أبدًا واصليها"، جملة مفسرة لما قبلها "وتبؤوهم": تسكنهم "من مقاعد الصدق": مجالس الحق التي لا لغو فيها ولا تأثيم "إلى مقامات" منازل رفيعة في الجنة "لم يكونوا لولا هي داخليها" وفيها تلميح لمعنى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} والتقوى بالإيمان لا تكون إلا مع محبة الرسول، "وهي مطايا القوم": جمع مطية، فعيلة بمعنى مفعولة البعير ذكرًا أو أنثى، سمي بذلك، لأنه يركب مطاه، أي: ظهره، والمطا بزنة عصا الظهر "التي سراهم" "بضم السين جمع سرية بوزن مدية ومدى".
قال أبو زيد: ويكون السري أول الليل وأوسطه وآخره "في ظهورها دائمًا إلى الحبيب"، وقد استعملت العرب سرى في المعاني تشبيهًا لها بالأجسام واتساعًا ومنه {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: ٤] المعنى إذا يمضي، وقال البغوي: إذا سار وذهب، وقال جرير:
سرت الهموم فبتن غير نيام ... وأخو الهموم يروم كل مرام
"وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى" التي كانوا بها في صلب آدم، وهي الجنة "من قريب" بدون عذاب قبل دخولها للمحبة، وقال شيخنا: الأولى، أي: التي قدر أزلا حصولها لهم، بكن بأعمال يصلون بها إليها، فهي سابقة أزلًا على وجود أصحابه، ثم بعد ظهورهم في الخارج وفقهم الله ببركة المحبة إلى فعل تلك الاعمال، فوصلوا إليها في زمن قليل لا يحصل عادة في مثله ما قدر عليه من العمل، بل ولا ما يقاربه وهو تكلف مستغنى عنه، "تالله لقد ذهب أهلها" المحبة "بشرف الدينا والآخرة" وعلله بقوله: "إذ لهم من معية محبوبهم" المشار لها بقوله: "أنت مع من أحببت" "أوفر نصيب" لشمولها للدارين وإن لم يدركه في الدنيا أو كان بينهما مسافة بعيدة كما تقدم بسطه في المتن، "وقد قدر الله يوم مقادير الخلق" قبل خلق السماوات والأرض، وبخمسين ألف سنة "بمشيئته وحكمته البالغة" التامة "أن المرء مع من أحب" كما أخبر المحبوب صلى عليه علام الغيوب، "فيها لها" "بفتح اللام" "من نعمة على المحبين سابغة" "بغين معجمة" طويلة متسعة، ثم يحتمل أنه مستغاث به، وأنه مستغاث له، لأن اللام الداخلة على المستغاث له يجب فتحها إن كان ضميرًا كان هنا، فإن كان اسمًا ظاهرًا وجب كسرها، والداخلة على المستغاث به يجب فتحها مطلقًا، "لقد سبق القوم المحبين"

<<  <  ج: ص:  >  >>