للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داهن في المحبة أو داجى، فقد عرض لمدى الغيرة أوداجًا، فمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام -بل تقديمه في الحب على الأنفس والآباء والأبناء- لا يتم الإيمان إلا بها؛ إذ محبته من محبة الله تعالى.

وقد حكي عن أبي سعيد الخراز -مما ذكره القشيري في رسالته- أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله أعذرني فإن محبة الله شغلتني عن محبتك، فقال لي: يا مبارك من أحب الله فقد أحبني.


داجى"، بأن دارى، والمراد بها الأخذ للشيء والتوصل إليه بحيلة، "فقد عرض لمدى" "بضم الميم" جمع مدية السكين "الغيرة أوداجًا": جمع ودج، أي: العروق المكتنفة ثغرة البحر يمينًا وشمالًا، والمعنى: من لم يخلص المحبة عرض نفسه لأسباب الهلاك، الناشئة من غيرته على حبه لعدم وصوله لمراده منه، فيصاب بأسباب قاتلة كالمدى في شدة تأثيرها في البدن، "فمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، بل تقديمه في الحب على الأنفس والآباء والأبناء لا يتم الإيمان إلا بها". أي: لا يوجد ولا يكمل، فاستعمله بمعنى الوجود فيما قبل الإضراب، وبمعنى الكمال فيما بعده، "إذ محبته من محبة الله تعالى"، الواجبة لذاته، كما مر.
"وقد حكي عن أبي سعيد" إبراهيم، وقيل: أحمد بن عيسى البغدادي، "الخراز": بالخاء المعجمة وشد الراء فألف فزاي منقوطة، نسبة إلى خرز جلود القرب، ونحوها من أئمة القوم وجلة المشايخ، قيل: وهو أول من تكلم في علمي الفناء والبقاء، وقيل: فيه قمر الصوفية صحب السري، وذا النون المصري، وبشر الحافي وغيرهم.
قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد لهلكنا أقام كذا وكذا، سنة ما فاته ذكر الله بين الخرزتين.
مات سنة سبع وسبعين، وقيل: سنة ست وثمانين ومائتي، ومرت ترجمته أيضًا، "مما ذكره القشيري" أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن، الإمام العلامة، المفسر، المحدث، الولي، الذي ما رأى الراءون مثله، مر بعض ترجمته "في رسالته أنه" أي: أبا سعيد "قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله أعذرني" "بكسر الهمزة، وسكون العين، وكسر الذال المعجمة، وهمزته وهمزة وصل من عذر، كضرب، وبفتح الهمزة، وكسر الذال، وهمزته همزة قطع من أعذروهما، لغتان سوى بينهما المجد، ولم نر ضم الهمزة وكسر الذال، وهمزته همزة قطع من أعذروهما، لغتان سوى بينهما المجد، ولم نر ضم الهمزة والذال، والمعنى، أقبل عذري، فلا تؤاخذني بتقصيري، وارفع اللوم عني، "فإن محبة الله شغلتني عن محبتك، فقال لي: يا مبارك": اسم مفعول من البركة، وهي الزيادة والتنمية، هذا أصله لغة، ثم استعمل عرفًا في قليل الفطنة، فيحتمل أنه المراد هنا دفعًا لتوهمه، أن محبة الله تنافي محبته، ويعد المشتغل بها مقصرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>