"قال" ابن أبي جمرة: "والصواب معهنم في ذلك والله أعلم؛ لأن ما ذهبوا إليه أبقوا به لفظ الحديث على ظاهره من غير تأويل"، والأصل أنه لا يعدل عن الحقيقة، ما وجد إليها سبيل، والمتبادر من هذا أنها أمر يدرك حلاوته بالفم، كما يدرك حلاوة السكر والعسل ونحوهما، وهذا شيء لا يدركه إلا من وصل إلى ذلك المقام، فلا يليق اعاء أنه غير مراد، بل المراد ما يأتي أنه أمر يجده القلب، تكون نسبته إليه، كذوق حلاوة الطعام إلى الفم، وذوق حلاوة الجماع إلى اللذة؛ لأن الآتي كلام ابن القيم حملا له على المعنى؛ إذ هو لم يذكر القول بأنها محسوسة فلا يرد إليه، وكذا ما نقلناه آنفًا من نفس كلام ابن أبي جمرة، المصرح بأن التعبير بإطلاق الحلاوة إنما هو على وجه التشبيه، أي: يجد في قلبه حلاوة تشبه الحلاوة المأكولة بالفم، إنما هو تقرير للقول بأنها معنوية، وما لنا وللتكلم فيما لا نعرفه ولا يمكننا تخيله: وإذا لم تر الهلال فسلم ... لأناس رأوه بالأبصار "قال: ويشهد إلى ما ذهبوا إليه أحوال الصحابة والسلف الصالح" كالتابعين "وأهل المعاملات" وهي منازل عشرة ينزلها السائرون إلى الحق عز اسمه، وهي الرعاية والمراقبة والحرمة والإخلاص، والتهذيب والاستقامة، التوكل والتفويض، والثقة والتسليم، سميت بالمعاملات؛ لأن العبد لا يصلح له معاملة الحق إلا بأن يتحقق بهذه المقامات، فالمعاملة عندهم عبارة عن توجه النفس الإنساني إلى باطنها، الذي هو الروح الروحاني والسر الرباني، واستمدادها منهما ما يزيل الحجب عنها، ليحصل لها قبول المدد في المقابلة إزالة كل حجاب، وهذا إنما يصح لعبد يملك ناصية الزهد، ثم الورع، ثم الحزن، فمن ملك ناصية هذه الثلاثة استحق أن يصير من أهل المعاملات، وأهم ما عليه أن يتحقق بأعم مقاماتها وأهمه، وهو الإخلاص؛ إذ لا تصبح المعاملة بدونه، ثم المراقبة، ثم التفويض، قاله في الأعلام بإشارات أهل الإلهام، "فإنهم