للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئًا ما، نقص ذوقه بقدر ذلك.

وقال العارف ابن أبي جمرة واختلف في الحلاوة المذكورة هل هي محسوسة أو معنوية، فحملها قوم على المعنى وهم الفقهاء ومن شابههم، وحملها


"والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئًا ما" قليلًا "نقص ذوقه بقدر ذلك".
زاد الحافظ: فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوى به استدلال البخاري على الزيادة والنقص أي: للإيمان، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة إنما عبر بالحلاوة؛ لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الإمر واجتناب النهي، وزهرتها ما يهم به المؤمن من الخير، وثمرتها عمل الطاعات، وحلاوة الثمرة جني الشجرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها. انتهى.
وقال البيضاوي: المراد بالحب العقلي، الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه، وإن كان على خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الاتمار بأمره، بحيث يصير هواه تبعًا له، ويتلذذ به تلذاذًا عقليًّا؛ إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك، وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة، وإنما جعل هذه الثلاثة عنوانًا لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي يبين مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله، وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينًا، يخيل إليه الموعود، كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود في الكفر إلقاء في النار، انتهى ملخصًا.
وشاهد هذا الحديث من القرآن قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى أن قال: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٢٤] ، ثم هدد على ذلك، وتواعد بقوله: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} فإن فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فالأول من الأول، والثاني من الثاني. انتهى كله من فتح الباري.
"وقال العارف ابن أبي جمرة": بجيم وراء، "واختلف في الحلاوة المذكورة" في قوله حلاوة الإيمان "هل هي محسوسة أو معنوية، فحملها قوم على المعنى"، بمعنى: أن من وجدت

<<  <  ج: ص:  >  >>