للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولًا نبيًّا.

قال في المدارج: فأخبر أن للإيمان طمعًا، وأن القلب يذوقه كما يذوق الفم طعم الطعام والشراب. وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن إدراك حقيقة الإيمان والإحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذوق تارة وبالطعم أخرى، ويوجد الحلاوة تارة، كما


يقول: "ذاق طعم الإيمان"، قال عياض: أي: عرف الله سبحانه واستحلى الإيمان "من رضي بالله ربًّا" فالرضا دليل على هذه المعرفة، قال لأبي: لأنه تسبب عنها، ووجود السبب يدل على وجود المسبب، ثم الرضا يكون بمعنى القناعة وبمعنى الإيثار، وهو المراد؛ لأن الأول مشترك بين جميع الناس؛ إذ من لم يقنع بالله ربًّا ليس من الإسلام في شيء، واستحلاء الإيمان من صفة الخواص، فإنما يدل عليها ما هو من صفتهم، فالمعنى عرف الله، واستحلاء الإيمان به من أثره، فإن قيل: هذان هما الغاية، فلو أريد ألم يعبر عنهما بالذوق، وهو مبدأ الفعل؛ إذ لا يعبر عن غاية الشيء بمبدئه، قلت: الذوق إنما هو مبدأ الفعل إذ استعمل في المحسوسات، كذوق الطعام، أما إذا استعمل في المعاني، كما هنا، فإنما هو كناية عن كمال الإدراك، والرضا بالله يستلزم الرضا عنه، انتهى.
وقال الراغب: الذوق، وجود الطعم في الفم، وأصله فيما يقل تناوله، فإذا كثر، يقال له الأكل، واستعمل في القرآن بمعنى الإصابة، أما في لرحمة نحو {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} ، وأما في العذاب، نحو {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: ٥٦] ، وقال غيره: ضرب الذوق مثلًا لما ينالونه من الخير عند المصطفى "وبالإسلام دينًا" بأن لم يسع في غير طريقه.
قال الطيبي: لا يخلو أما أن يراد به الانقياد، كما في حديث جبريل، أو مجموع ما يعبر بالدين عنه، كخبر بني الإسلام على خمس، ويؤيد الثاني اقترانه بالدين؛ لأنه جامع باتفاق، وعلى التقديرين هو عطف عام على خاص.
وكذا قوله: "وبمحمد رسولا" بأن لم يسلك إلا ما يوافق شرعه، ومن كان هذا نعته فقد وصلت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه، شبه الأمر الحاصل الوجداني من الرضا بالأمور المذكورة بمطعوم يلتذ به، ثم ذكر المشبه به، وأراد المشبه، ورشح بقوله: ذاق، فإن قيل الرضا بالثالث مستلزم للأولين، فلم ذكرهما، قلنا للتصريح، بأن الرضا بكل منها مقصود "ونبيًّا"، كذا في النسخ عطف لازم على ملزوم؛ لأن الرسالة مستلزمة للنبوة، ولكن ليس في مسلم ونبيًَّا، ولم يتكلم شارحاه النووي والأبي على أنها راوية، وقد نسبه السيوطي لأحمد ومسلم والترمذي بدون ونبيًّا، فكأنها دخلت على المصنف من حديث آخر.
"قال في المدارج" لابن القيم "فأخبر أن للإيمان طعمًا، وأن القلب يذوقه كما يذوق الفم طعم الطعام والشراب"، أي: بإدراكه لذة الإيمان وسهولة ما بني عليه من فعل الطاعات

<<  <  ج: ص:  >  >>