للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال "ذاق". وقال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان"، ولما نهاهم عن الوصال قالوا: إنك تواصل قال: "إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى"، وقد غلظ حجاب من ظن أن هذا طعام وشراب حسي للفم، وسيأتي تحقيق الكلام في هذا إن شاء الله تعالى في الصوم، من مقصد عباداته عليه الصلاة والسلام.

والمقصود أن ذوق حلاوة الإيمان أمر يجده القلب تكون نسبته إليه كذوق حلاوة الطعام إلى الفم، وذوق حلاوة الجماع إلى اللذة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".

وللإيمان طعام وحلاوة يتعلق بهما ذوق ووجد، ولا تزول الشبه والشكوك إلا إذا وصل العبد إلى هذه الحالة، فيباشر الإيمان قلبه حقيقة المباشرة، فيذوق طعمه


واجتناب المعاصي، فعبر بالذوق عن الإدراك، وبالطعم عن السهولة، واطمئنان النفس بما يقتضيه الإيمان مجازًا.
"وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن إدراك حقيقة الإيمان والإحسان، وحصوله للقلب، ومباشرته له بالذوق" متعلق بعبر "تارة بالطعم أخرى، ويوجد" "بفتح السكون" مصدر "الحلاوة تارة، كما قال: ذاق" طعم الإيمان "وقال" في الحديث الذي قبله: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" ولذا قال الطيبي: مجاز قوله ذاق طعم الإيمان مجاز قوله: وجد حلاوة الإيمان، وكذلك موقعه كموقعه؛ لأن من أحب أحدًا يتحرى ماضيه ويؤثر رضاه على رضا نفسه "لما نهاهم عن الوصال" في الصوم "قالوا": مستفهمين "أنك تواصل، قال: "إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى" بما يغذيني به ربي من معارفه، وما يفيض على قلبي من لذة مناجاته، وقرة عيني بقربه، ونعيمه بحبه والشوق إليه، المغني ذلك عن غذاء الأجسام مدة:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب ويليها عن الزاد
"وقد غلظ" أي: قوي "حجاب من ظن أن هذا" الذي يطعمه ويسقاه حين الوصال "طعام وشراب حسي للفم"، يؤتى له من الجنة؛ لأنه لم يدرك الأمور على حقيقتها، فعبر عن ذلك بالغلظ والحجاب مجازًا، "وسيأتي تحقيق الكلام في هذا إن شاء الله تعالى في الصوم من مقصد عباداته عليه الصلاة والسلام"، وأن الجمهور على أنه مجاز عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة، كأنه قال: أعطى قوة الطاعم الشارب، "والمقصود" هنا "أن ذوق حلاوة الإيمان أمر يجده القلب، تكون نسبته إليه كذوق حلاوة الطعام إلى الفم"، فهو على التشبيه، أي: وجد في فعله حلاوة تشبه الحلاوة والمأكولة، "وذوق حلاوة الجماع إلى اللذة، كما قال عليه الصلاة والسلام" لامرأة رفاعة: "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، وللإيمان طعم

<<  <  ج: ص:  >  >>