للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجد حلاوته.

وقال العارف الكبير تاج الدين بن عطاء الله: فيه يعني في هذا الحديث إشارة إلى أن القلوب السليمة من أمراض الغفلة والهوى تتنعم بملذوذات المعاني كما تتنعم بملذوذات الأطعمة، وإنما ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا لأنه لما رضي بالله ربًّا استسلم له وانقاد لحكمه، وألقى قياده إليه، فوجد لذاذة العيش وراحة التفويض، ولما رضي بالله ربًّا كان له الرضا من الله، وإذا كان له الرضا من الله أوجده الله حلاوة ذلك ليعلم ما من به عليه، وليعلم إحسانه عليه، ولما


وحلاوة يتعلق بها ذوق ووجد" أي: إدراك، "ولا تزول الشبه والشكوك إلا إذا وصل العبد إلى هذه الحال، فيباشر الإيمان قلبه حقيقة المباشرة، فيذوق طعمه ويجد حلاوته" المعنوية، المشابهة للحسية.
"وقال العارف الكبير تاج الدين" أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الكريم "بن عطاء الله"، نسبة إلى جده الأعلى لشهرته به الجذامي، الإسكندراني، الإمام، المتكلم على طريقة الشاذلي، الجامع لأنواع العلوم من تفسير وحديث ونحو وأصول وفقه، على مذهب مالك، وصحب في التصوف الشيخ أبا العباس المرسي، وكان أعجوبه زمانه فيه، وأخذ عنه التقي السبكي، واختصر تهذيب المدونة للبرادعي في الفقه، وألف التنوير والحكم وغير ذلك، ومات بالمدرسة المنصورية في القاهرة في ثالث جمادى الآخرة، سنة تسع وسبعمائة ودفن بالقرافة ذكره السيوطي وابن فرحون، في طبقات المالكية وغيرهما. ولا نزاع في أنه مالكي وذكر ابن السبكي له في طبقات الشافعية، لقوله: أراه كان شافعيًّا وليس كما ظن "فيه، يعني في هذا الحديث إشارة إلى أن القلوب السليمة من أمراض الغفلة والهوى"، إضافة أعم إلى أخص، أو بيانية "تتنعم بملذوذات المعاني، كما تتنعم بملذوذات الأطعمة" تشبيه بمطلق اللذاة، فلا ينافي أن لذتهم أقوى قال إبراهيم بن أدهم: والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف.
وقال الجنيد: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.
وقال عتبة الغلام: كابدت الصالة عشرين سنة، ثم استمتعت بها بقية عمري، "وإنما ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا؛ لأنه ما رضي بالله ربًّا" أعاده مظهرًا تلذذًا بذكره:
أعد ذكر نعمان لنا أن ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع
"استسلم له وانقاد لحكمه"، عطف تفسير، "وألقى قياده" "بكسر القاف" "إليه" أي: أطاعه وأذعن له، فهي ألفاظ متقاربة "فوجد لذاذة" "بالفتح بزنة سلامة مصرد لذيذ لذاذًا ولذاذة بالفتح" "العيش وراحة التفويض، ولما رضي بالله ربًّا كان له الرضا من الله" جزاء من جنس

<<  <  ج: ص:  >  >>