للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افترضته عليه" أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله تعالى.

وعلى هذا فقد استشكل كون النوافل تنتج المحبة ولا تنتجها الفرائض؟

وأجيب: بأن المراد من النوافل إذا كانت مع الفرائض، مشتملة عليها ومكملة لها ويؤيده: أن في رواية أبي أمامة "ابن آدم، إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضته عليك"، أو يجاب: بأن الإتيان بالنوافل لمحض المحبة لا لخوف


وأبو يعلى والبزار والطبراني عن أنس، وفي سنده ضعف، والطبراني عن حذيفة مختصرًا، وسنده حسن غريب، وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية، عن معاذ بن جبل مختصرًا، وسنده ضعيف، وأحمد في الزاهد، وأبو نعيم في الحلية، عن وهب بن منبه مقطوعًا انتهى.
وهو أصل عظيم في السلوك إلى الله تعالى والوصول إلى معرفته ومحبته؛ لأن المفترض إما باطن وهو الإيمان، وظاهر وهو الإسلام، أو مركب منهما وهو الإحسان، المتضمن مقامات السالكين، كالإخلاص والزهد، والتوكل والمراقبة، فقد جمع هذا الحديث الشريعة والحقيقة، "ويستفاد من قوله: وما تقرب إلي عبدي بشيء" من الطاعات "أحب إليَّ من أداء ما افترضته عليه، أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله تعالى"، أي: فعلها لا مقابل القضاء، كما مر، فالمراد اللغوي، فشمل النذر أخذًا للافتراض بالمعنى الأعم؛ لأن من نذر شيئًا فرض الله عليه الوفاء به، فلا ينافي قوله مما افترضته، ومر أن الحافظ نظر فيه، وأشار إلى الجواب بنحو هذا، "وعلى هذا" المستفاد "فقد استشكل كون النوافل تنتج المحبة" لأنه تعالى جعلها مرتبة على كثرة النوافل، "ولا تنتجها الفرائض" لأنه سبحانه جعلها أحب الأشياء إليه، ولم يذكر سبب الأحبية، فلم تترتب المحبة على أداء الفرائض.
"وأجيب بأن المراد من النوافل إذا كانت مع الفرائض، مشتملة عليها ومكملة لها"، لا مطلقًا فإنما انتجت المحبة من حيث الاشتمال والتكميل.
"ويؤيده أن في رواية أبي أمامة" الباهلي، عند الطبراني، والبيهقي مرفوعًا: "ابن" "بفتح الهمزة وكسرها" "آدم إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضته عليك"، فلا يعتد بالنوافل بدون الفرائض.
قال ابن أبي جمرة: إنما سميت نافلة؛ لأنها تأتي زائدة على الفريضة، فلو لم تؤد الفريضة لا تحصل، ومن أداها، ثم زاد النفل وأدامه، محضت منه إرادة التقرب، وقد جرت العادة، بأن التقرب يكون غالبًا بغير ما وجب على المتقرب، كهديه وتحفة، بخلاف ما يجب عليه، أو يقتضي ما لزمه، ومما يحقق ذلك أن جملة ما شرع له النفل جبره الفرض، فالمراد من التقرب بالنفل، أن يقع ممن أدى الفرض، لا ممن أخل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>