للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم أنه لا سبيل لأحد إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه، أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه، وأنت إذا تأملت ما منحه الله تعالى به من جوامع الكلم، وخصه به من بدائع الحكم، وحسن سيره، وحكم حديثه، وإنبائه بأنباء القرون السالفة والأمم البائدة، والشرائع الدائرة، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى مع الخضر، ويوسف مع إخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، وأشباه ذلك، وبدء الخلق، وأخبار الدار الآخرة، وما في التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وإظهار أحوال الأنبياء وأممهم، وأسرار علومهم ومستودعات سيرهم، وإعلامه بمكتوم وإعلامه شرائعهم، ومضمنات كتبهم وغير


وتبعه في القاموس، "وإنبائه بالأنبياء" أي إخباره بالأخبار "المغيبات" الأمور التي ستقع قبل وقوعها بإلهام أو وحي، "اعلم أنه لا سبيل" لا طريق "لأحد" توصله "إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه" أي إلى حقيقة شيء من معارفه التي هي كالبحار؛ لأنه إنما يحيط من الأشياء بالظواهر، ولا يصل عقل إلى حقيقة البواطن وإضافة البحار إلى المعارف من إضافة المشبه به للمشبه، "أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه" إذ لا طريق إلى شيء من الحقائق التي أوتيها، فالمراد منه، كالمراد مما قبله، "وأنت إذا تأملت ما منحه الله تعالى به" أي أعطاه وضمنه معنى خص، فعداه بالباء "من جوامع الكلم" أي الكلم الجوامع للمعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم" واختصر لي الكلام اختصارًا، "وخصه به من بدائع الحكم" التي لم يسبق بها، "وحسن سيره" جمع سيرة، "وحكم حديثه وإنبائه بأنباء" إخباره بأخبار "القرون السالفة" الأمم الماضية التي لم يصل علمها إلينا إلا منه صلى الله عليه وسلم، وهو بهذا المعنى يخالف المغيبات بتفسيره المتقدم، فهما متغايران "والأمم البائدة" أي الهالكة "والشرائع الدائرة" أي التي نسيت وترك العمل بها، حتى كأنها محيت، بحيث لم يبق لها أثر، "كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى" الكليم بن عمران "مع الخضر" المختلف في نبوته، وصحح جمع نبوته "ويوسف" نبي الله "مع إخوته" وليسوا بأنبياء على الصحيح، "وأصحاب الكهف" الغار في الجبل، مر لي الإلمام بشيء من قصتهم في المقصد الأول، "وذي القرنين" اسمه الصعب، والأصح أنه كان رجلًا صالحًا لا نبيًّا، كما قيل: وهو الأكبر، وذو القرنين الأصغر اسمه الإسكندر كافر، والحق أن الذي في القرآن هو الأول، وإليه أشار البخاري بذكره قبل إبراهيم ومر بسط ذلك في الأول "وأشباه ذلك، وبدء الخلق وأخبار الدار الآخرة وما في التوراة" كتاب موسى "والإنجيل" كتاب عيسى، "والزبور" كتاب داود، "وصحف إبراهيم" العشرة، "و" صحف "موسى" غير التوراة، "وإظهار أحوال الأنبياء وأممهم، وأسرار علومهم ومستودعات"

<<  <  ج: ص:  >  >>