ووهم من ذكر هذا عند قوله الماهر كلامه تعالى له في المنام؛ لأنه في الإتقان إنما ذكره في مجيء الملك منامًا، وما ذكر في تلك المرتبة إلا ما قدمته عنه، ومنها: تصوره بصورة فحل من الإبل فاتحًا فاه ليلتقم أبا جهل لما أراد أن يلقي على النبي صلى الله عليه وسلم حجرًا كبيرًا وهو يصلي، وأخبر عليه السلام أنه جبريل، وما اقتضى منه دين الإراشي الذي مطله بثمن إبله وشكى لقريش فدلوه على المصطفى استهزاء لعلمهم بشدة عداوته، فلما أتاه قال: لا تبرح حتى يأخذ حقه، فعيره قريش؛ فقال: رأيت فحلا من الإبل لو امتنعت لأكلني، ذكرهما ابن إسحاق. "وذكر" القاضي ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور المعروف بأنه "ابن المنير" الجروي الجذامي الإسكندري قاضيها وخطيبها المصقع الإمام العلامة البارع الفقيه الأصولي المفسر المتبحر في العلوم، ذو التصانيف الحسنة المفيدة والباع الطويل في التفسير والقراءات والبلاغة والإنشاء، توفي أول ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وستمائة عن ثلاث وستين سنة، قال العز بن عبد السلام: الديار المصرية تفتخر برجلين في طرفيها ابن دقيق العيد بقوص، وابن المنير بالإسكندرية. "أن الحال كان يختلف في الوحي باختلاف مقتضاه، فإن نزل بوعد" خاص بالخير حيث أطلق كالعدة؛ كما قال الفراء ولذا عطف عليه، "وبشارة" بكسر الباء وتضم مختصة بالخير، حيث أطلقت أيضًا لبيان المراد به، ولعله أراد بها ما قابل التخويف بالعذاب، فشمل القصص والأحكام وغيرها مما لم يصرح فيه بالعذاب، على أن القصص باعتبار ما سيقت له، فيها إيماء بأن من لم يؤمن ربما يصيبه ما أصاب من فيهم القصص. "نزل الملك بصورة الآدمي، وخاطبه من غير كد" إتعاب في تلقي الوحي، "وإن نزل بوعيد" بشر لاختصاصه به كالإبعاد، "ونذارة كان حينئذ كصلصلة الجرس" وظاهره: أنه لا فرق في انقسام ما نزل به إلى القسمين بين القرآن وغيره، ولعله أشار إلى أن هذا مراد ابن المنير، وإلا فالذي في كلامه تقسيم ما جاء به من القرآن إلى هذين ونظر فيه الحافظ بأن الظاهر: أنه لا يختص بالقرآن، ولما ذكر مراتب الوحي ناسب أن يذكر عدد مراته، وذكر غير المصطفى بيانًا لزيادة كرامته على ربه، وهذا أولى من جعله استطرادًا ولوقوعه في كلام الناقل عنه، فقال: