للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن دحية كان معروفًا عندهم، ذكره ابن المنير، وإن كانت داخلة في المرتبة الثالثة التي ذكرها ابن القيم.

وذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعًا، فذكرها، وغالبها -كما قال في فتح الباري- من صفات حامل الوحي، ومجموعها يدخل فيما ذكر والله أعلم.


شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، فهذا صريح في أنه تمثل بصورة رجل غير دحية؛ "لأن دحية كان معروفًا عندهم، ذكره" أي: هذا النوع "ابن المنير" والأوفق ذكرها بالتأنيث؛ لقوله: مرتبة، ولقوله: "وإن كانت داخلة في المرتبة الثالثة التي ذكرها ابن القيم" لأنه صدرها بقوله: كان يتمثل له الملك رجلا، ولا ترد هذه على قول السبكي في تائيته:
ولازمك الناموس إما بشكله ... وإما بنفث أو بحلية دحية
لأن هذه الأحوال الثلاثة لما غلبت لم يعتد بغيرها، ولذا قال: ولازمك، على أنه أراد لازمك على الصورة التي تعلم منها حين المجيء أنه وحي، وأما هذه فلم يعلم أنه جبريل حتى ولي؛ كما دل عليه قوله في الصحيح: ثم أدبر، فقال: "ردوه". فلم يروا شيئًا، وصرح به في حديث أبي عامر، بلفظ: "والذي نفس محمد بيده، ما جاءني قط إلا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة" وفي رواية سليمان التيمي وابن حبان: "والذي نفسي بيده، ما شبه عليّ منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفت به حتى ولى".
"وذكر الحليمي" بالتكبير نسبة إلى جد أبيه، فإنه العلامة البارع المحدث القاضي أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الشافعي الفقيه صاحب اليد الطولى في العلم والأدب المفيدة، مات في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعمائة.
"أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعًا، فذكرها وغالبها كما قال في فتح الباري: من صفات حامل الوحي، ومجموعها" أي: جملتها، "ويدخل فيما ذكر، والله أعلم" ومنها ما في الإتقان: أن الملك يأتيه في النوم، وهل نزل عليه فيه قرآن أم لا؟ والأشبه أنه نزل كله يقظة، وفهم فاهمون من خبر مسلم وأبي داود والنسائي، عن أنس: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ غفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: "أنزل علي آنفًا سورة"، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] إلى آخرها، إن الكوثر نزلت في تلك الإغفاءة؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي. وأجاب الرافعي: بأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذي نزلت فيه السورة، فقرأها عليهم وفسرها لهم، أو الإغفاءة ليست نومًا بل هي البرحاء التي كانت تعتريه عند الوحي، قال صاحب الإتقان: والأخير أصح من

<<  <  ج: ص:  >  >>