للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسوله، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقاهم في الشمس حتى ماتوا. رواه الشيخان.


وفي رواية للبخاري: فانطلقوا وشربوا، وفي أخرى: وصحوا، وأخرى، وسمنوا ورجعت إليهم ألوانهم، وكفروا بعد إسلامهم، وعمدوا "إلى الرعاة فقتلوهم" "بضم الراء" جمع راع كقضاة وقاض.
قال الحافظ: لم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعيه صلى الله عليه وسلم، وفي ذكره بالأفراد، وكذا لمسلم، لكن عنده في رواية: ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم "بصيغة الجمع" فيحتمل أن لإبل الصدقة رعاة، فقتل بعهضم مع راعي اللقاح النبوية، فاقتصر بعض الرواة عليه، وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن بعض الرواة ذكره بالمعنى، فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار راعيه صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح أبي عوانة: فقتلوا أحد الراعيين، وجاء الآخر قد جزع، فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل، ولم أقف على اسم الآخر. انتهى.
"واستاقوا الإبل" ساقوها من السوق، وهو السير العنيف، "وحاربوا الله ورسوله" أي فعلوا فعلم المحارب، "فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم" "بالمد"، أي وراءهم عشرين فارسًا، أميرهم كرز بن جابر على الصحيح "بضم الكاف وسكون الراء وزاي منقوطة"، ومرت القصة مبسوطة في المغازي، "فأخذوا" وللبخاري: فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، "فقطع" "بخفة الطاء" "أيديهم وأرجلهم".
زاد الترمذي والإسماعيلي من خلاف، وبه رد الحافظ قول الداودي: فقطع يدي كل واحد ورجليه، "وسمل أعينهم" "بفتح المهملة والميم ولام مخففًا، أي فقأها بحديدة محماة".
قال الحافظ: لم تختلف روايات البخاري في أنه سمر "بالراء وخفة الميم"، وفي رواية لمسلم: باللام، قال الخطابي: السمل فقء العين بأي شيء كان، وبالراء لغة فيه، ومخرجها متقارب، وقد يكون من المسمار، يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت، قلت: وقع التصريح بالمراد عند البخاري في الجهاد وفي المحاربين، ولفظه: ثم أمر بمسامير فأحميت، ثم كحلهم بها، فهذا يوضح ما تقدم، ولا يخالف رواية اللام؛ لأنه فقء العين بأي شيء كان. انتهى. "وألقاهم في الشمس حتى ماتوا" وكانوا قطعوا يدي الراعي ورجليه، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، كما عند ابن سعد، فيكون ما فعل بهم قصاصًا كما أشار إليه أنس، بقوله: "إنما سمل صلى الله عليه وسلم أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة"، رواه مسلم، ومال إليه جماعة، وإسناد الفعل في جميع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجاز، والمراد أمر، كما صرح به في روايات أخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>