للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلي، وأنفعه الحجامة، ولا سيما إذا كان البلد حارا والزمان حارا، فإن القوة السمية تسري في الدم، فتبعثه في العروق والمجاري، حتى تصل إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته، فإن كان استفراغا تاما لم يضره السم، بل إما أن يذهب، وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة فتبطل فعله، أو تضعفه.

ولما احتجم صلى الله عليه وسلم احتجم على الكاهل؛ لأنه أقرب إلى القلب، فخرجت المادة السمية مع الدم، لا خروجا كليا بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد الله تعالى من تكميل مراتب الفضل كلها له بالشهادة زاده الله فضلا وشرفا.


الأطباء على إبطاله فعل السم بأن لم يجده أصلا، أو عدم إفادته بعد استعماله، "فليبادر إلى الدواء الكلي" أي الذي يعم السم وغيره، كإخراج الدم، فله دخل في علاج جميع الأمراض، "وأنفعه الحجامة، ولا سيما إذا كان البلد حارا" كالحجاز، "والزمان حارا" كالصيف، "فإن القوة السمية تسري في الدم فتبعثه" أي تدخله "في العروق والمجاري" المواضع التي يسري منها الدم إلى العروق، "حتى تصل" القوة السمية "إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم، خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته، فإن كان استفراغا تاما" بأن خرج مع الدم السم، وأثره بتمامه، "لم يضره السم، بل إما أن يذهب" رأسا، "وإما أن يضعف، فتقوى عليه الطبيعة، فتبطل فعله أو تضعفه، ولما احتجم صلى الله عليه وسلم احتجم على الكاهل؛ لأنه أقرب إلى القلب" فيه إفادة أنه احتجم في مقدم أعلى الظهر الذي يلي العنق، فيكون هو المراد برواية بين كتفيه، "فخرجت المادة السمية مع الدم، لا خروجا كليا، بل بقي أثرها مع ضعفه" أي الأثر "لما يريد الله من تكميل مراتب الفضل كلها له بالشهادة، زاده الله فضلا وشرفا" وذلك لا ينافي أنه أقر قول اليهود: وإن كنت نبيا لم يضرك؛ لأن المراد الضرر على الوجه المعتاد في السم، ويدل لبقاء الأثر قول عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم"، رواه البخاري تعليقا، ووصله البزار والحاكم والإسماعيلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>