"وفي المعوذتين: الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا"، تقدم بيان ذلك في النوع الأول، "ولهذا أوصى صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر" الجهني، الصحابي، الفقيه، الفاضل، مات قرب الستين "أن يقرأ بهما عقب كل صلاة، رواه الترمذي" عن عقبة، "وفي هذا" أي أمره المذكور "سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة الأخرى التي تليها", وظاهره، ولو حصل له عذر، كنوم منعه من الصلاة أياما، ولا مانع من ذلك، كذا قال شيخنا. "وقال" صلى الله عليه وسلم: "ما تعوذ" أي: اعتصم "المتعوذون بمثلهما". "وأما الماء والملح، فهو الطب الطبيعي، فإن في الملح نفعا كثيرا من السموم، ولا سيما لدغة العقرب". قال ابن سينا: يتضمد به مع بزر الكتان للسعة العقرب، "وفيه من القوة الجاذبة المحللة ما يجذب السموم ويحللها من البدن، ولما كان في لسعها" بمهملتين "قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب استعمل صلى الله عليه وسلم الماء والملح لذلك" تنبيها على أن علاج السميات بالتبريد والجذب. وفي البخاري عن عائشة: رخص صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة "بضم ففتح مخففا"، أي ذي سموم. وفي السنن عن أبي هريرة: جاء رجل فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك إن شاء الله". وفي التمهيد عن سعيد بن المسيب قال: بلغني أن من قال حين يمسي: سلام على نوح في العالمين لم يلدغه عقرب، وفي تفسير القشيري عن بعض التفاسير: أن الحية والعقرب أتيا نوحا، فقالتا: احملنا، فقال: لا أحملكما، لأنكما سبب الضرر، فقالتا احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدًا ذكرك.