للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إن علي بن أبي طالب أسلم بعد خديجة، وكان في حجر النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا يكون أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ويكون علي أول صبي أسلم، لأنه كان صبيًا لم يدرك، ولذا قال:


بعد حصول الأمرين.
وأما الجمع بأنه آمن به أولا ثم سافر إلى اليمن ولم يظهر إسلامه لقومه، فلما رجع وأخبروه بذلك أتى المصطفى وأظهر إسلامه بين يديه ثنيًا، ففاسد لتصريحه بأن سفره قبل البعثة، ولأنه لو كان آمن ما خاشنه في الخطاب، بقوله: يا محمد! قدحت ... إلخ، على أنه مما لا يليق التفوه به في هذا المقام، كيف وقد صرح غير واحد، منهم ابن إسحاق بأنه لما أسلم أظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله.
"وقيل: إن علي بن أبي طالب" الهاشمي "أسلم بعد خديجة" قبل الصديق، قطع به ابن إسحاق وغيره محتجين بحديث أبي رافع: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخره، وصلى علي يوم الثلاثاء"، رواه الطبراني، وبما في المستدرك: نبئ النبي يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء، وروى ابن عبد البر: أن محمد بن كعب القرظي سئل عن أولهما إسلامًا، فقال: سبحان الله علي أولهما إسلامًا، وإنما اشتبه على الناس؛ لأن عليًا أخفى إسلامه عن أبيه وأبو بكر أظهره، "وكان" مما أنعم الله به عليه؛ كما قال ابن إسحاق: أنه كان "في حجر" مثلث الحاء، أي: منع "النبي صلى الله عليه وسلم" وكفالته وحفظه مما لا يليق به، وذلك أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال صلى الله عليه وسلم للعباس، وكان من أيسر بني هاشم: "يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه فلنخفف من عياله، آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكفهما عنه" قال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتياه وأخبراه بما أراد، فقال: إذا تركتماني عقيلا، ويقال: وطالبًا، فاصنعا ما شئتما، فأخذ المصطفى عليًا، فلم يزل معه حتى بعثه الله فاتبعه وآمن به وصدقه، وأخذ العباس جعفرًا فلم يزل عنده حتى أسلم، واستغنى عنه.
"فعلى هذا" المذكور من كونه في حجر النبي لا تنافي بين القولين في أيهما بعد خديجة لإمكان الجمع؛ كما قال السهيلي بأنه "يكون أول من أسلم من الرجال" البالغين "أبو بكر، ويكون عليّ أول صبي أسلم، لأنه كان صبيًا لم يدرك" أي: لم يبلغ، "ولذا قال" علي: ما حكى أن معاوية كتب إليه: يا أبا حسن، إن لي فضائل أنا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاتبه، فقال علي: والله ما أكتب إليه إلا شعرًا، فكتب:
محمد النبي أخي وصهري ... وحمزة سيد الشهداء عمي

<<  <  ج: ص:  >  >>