للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع

وقول حسان بن ثابت:


وقال بعض العارفين: قوله: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} ، لا ينافي قول العارف المرسي في تفسيرها، أو صديق، أو ولي، ولا زيادة فيه على النص، فإن السلطان إذا قال: لا يدخل علي اليوم إلا الوزير، لا ينافي دخول أتباع الوزير معه، فكذلك الولي إذا أطلعه الله على غيبه لم يره بنور نفسه، وإنما رآه بنور متبوعه، وما كلفنا الله الإيمان بالغيب إلا وقد يفتح لنا باب غيبه، وإلى هذا أشار الغزالي في أماليه على الإحياء، ثم قال: ويحتمل أن المراد بالرسول في الآية ملك الوحي، الذي بواسطته تنكشف الغيوب، فيرسله للإعلام بمشافهة، أو إلقاء في روع، أو ضرب مثل في يقظة، أو منام، ليطلع على الغيب من أراد، وفائدة ذلك الامتنان على من رزقه الله ذلك، وإعلامه بأنه لم يصل إليه بحوله وقوته، فلا يظهر على غيبه أحدا من عباده إلا على يدي رسول من ملائكته، أرسله لمن فرغ قلبه لانصباب أنهار العلوم الغيبية في أوديته، حتى يصل لأسرار الغيب المكنونة في خزائن الألوهية. انتهى.
وهو نفيس من المهمات، والثاني: هو ما أشار إليه المصنف بقول: واستدل ... إلخ، تبعا للبيضاوي، لكن لم ينمقه هذا التنميق الحسن.
"وقد اشتهر وانتشر أمره عليه الصلاة والسلام بين أصحابه" ولو ظاهرا كالمنافقين والمؤلفة، "بالاطلاع على الغيوب، حتى أن" مخففة من الثقيلة، أي أنه "كان بعضهم" أي بعض أصحابه بحسب الظاهر، وهم بعض المؤلفة قبل خلوص إسلامهم والمنافقون، "ليقول لصاحبه" أي من هو معه: إذا أراد أن يتكلم بشيء في حقه صلى الله عليه وسلم "اسكت": لا تنطق بشيء من أمره، "فوالله لو لم يكن عنده من يخبره" بما نقوله في شأنه من ملك ونحوه، "لأخبرته حجارة البطحاء" أرض مستوية يسيل فيها، وحجارتها ما فيها من الحصباء، أي أنها تخبره بما غاب عنه حقيقة، إن فرض أنه ليس عنده من يخبره غيرها، فلا داعي لجعله مبالغة في هذا المقام.
روي أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وأمر بلالا، بأن يؤذن فوق الكعبة، قال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا إذا لم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد مؤذنا غير هذا الغراب الأسود.
وقال أبو سفيان بن حرب: لا أقول شيئا، ولو تكلمت لأخبرته هذه الحصباء، فخرج صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت الذي قلتم، وذكر مقالتهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، ما كان معنا أحد فنقول: أخبرك، ثم حسن إسلام الثلاثة بعد، فالغاية إنما تتعلق ببعض المؤلفة والمنافقين، وسماهم أصحابه بحسب الظاهر، كما أشرت إليه، فأما أصحابه المؤمنون، فإنهم جازمون بإطلاعه

<<  <  ج: ص:  >  >>