وأما ذو القرنين الأصغر فهو الإسكندر اليوناني قتل دارا وسلبه ملكه وتزوج ابنته، واجتمع له الروم وفارس ولذا سمي بذلك. قال السهيلي: ويحتمل أنه لقب به تشبيهًا بالأول، لملكه ما بين المشرق والمغرب فيما قبل أيضًا واستظهره الحافظ وضعف قول من زعم أن الثاني هو المذكور في القرآن، كما أشار إليه البخاري بذكره قبل إبراهيم؛ لأن الإسكندر كان قريبًا من زمن عيسى، وبين إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة، قال: والحق أن الذي قص الله نبأه في القرآن هو المتقدم، والفرق بينهما من وجوه: أحدها: أن الذي يدل على تقدم ذي القرنين ما روى الفاكهي، طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين حج ماشيًا فسمع به إبراهيم، فتلقاه. ومن طريق عطاء عن ابن عباس: أن ذا القرنين دخل المسجد الحرام فسلم على إبراهيم وصافحه، ويقال: إنه أول من صافح. ومن طريق عثمان بن ساج أنه سأل إبراهيم أن يدعو له، فقال: وكيف وقد أفسدتم بئري؟ فقال: لم يكن ذلك عن أمري، يعني أن بعض الجند فعل ذلك بغير علمه. وذكر ابن هشام في التيجان أن إبراهيم تحاكم إلى ذي القرنين في بئر فحكم له. وروى ابن أبي حاتم من طريق علبا بن أحمر: قدم ذو القرنين مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة، فاستفهمهما عن ذلك، فقالا: نحن عبدان مأموران، فقال: من يشهد لكما؟ فقامت خمسة أكبش فشهدت، فقال: صدقتما، قال: وأظن الأكبش المذكورة حجارة، ويحتمل أن تكون غنمًا، فهذه الآثار يشد بعضها بعضًا وتدل على قدم عهد ذي القرنين. الوجه الثاني: قال الفخر الرازي: كان ذو القرنين نبيًا والإسكندر كافرًا ومعلمه أرسطاطاليس، وكان يأتمر بأمره وهو من الكفار بلا شك. ثالثها: كان ذو القرنين من العرب والإسكندر من اليونان من ولد يافث بن نوح على الأرجح، والعرب كلها من ولد سام بن نوح باتفاق، وإن اختلف هل كلهم من ولد إسماعيل أم لا؟ فافترقا، وشبهة من قال: إن ذا القرنين هو الإسكندر. ما أخرجه ابن جرير ومحمد بن الربيع الجيري: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين،