للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعض العلماء: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم قنت وترك، وكان تركه للقنوت أكثر من فعله، فإنه قنت عند النوازل للدعاء لقوم، والدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم فجاءوا تائبين، وكان قنوته لعارض. فلما زال العارض ترك القنوت.

ولم يكن مختصا بالفجر، بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخاري في صحيحه عن أنس، وذكره مسلم عن البراء، وصح عن أبي هريرة أنه قال: والله إني لأنا أقربكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يقنت في الركعة الأخيرة من الصبح بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده"، قال: ابن أبي فديك: ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم تركه، فهذا رد على القائل بكراهة القنوت


"قال بعض العلماء: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم قنت وترك" ليفيد أنه ليس بواجب، "وكان تركه للقنوت أكثر من فعله" أي: للحاجة فلا ينافي قول أنس: لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ويدل له قوله: "فإنه قنت عند النوازل للدعاء لقوم" بالنجاة، "والدعاء على آخرين" باللعن والقحط، "ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم فجاءوا تائبين" فسر بذلك "وكان قنوته لعارض، فلما زال العارض ترك القنوت ولم يكن مختصا بالفجر" أي: قنوت النازلة، "بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب" وبقية الصلوات كما مر في حديث ابن عباس، أما لغير النازلة، فإنما كان في صلاة الصبح "ذكره" أي: رواه "البخاري في صحيحه عن أنس وذكره" أي: رواه "مسلم عن البراء" ومر آنفا، وبه تمسك الطحاوي في ترك القنوت في الصبح، قال: لأنهم أجمعوا على نسخة في المغرب فيكون الصبح، كذلك قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه، وعارضه بعضهم بأنهم أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح، ثم اختلفوا هل ترك فنتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه.
"وصح عن أبي هريرة أنه قال: والله إني لأنا أقربكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" لمواظبتي له وضبطي لصفة صلاته، فأنا أعرف بها منكم، "إنه كان يقنت في الركعة الأخيرة من الصبح بعدما يقول سمع الله لمن حمده" أي: في بعض الصلوات، فلا يخالف قول أنس: كان يقنت قبل الركوع، فأفاد الفعل النبوي جوازه قبل وبعد.
"قال ابن أبي فديك" بالفاء والدال المهملة مصغر نسبة إلى جد أبيه فهو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلمي، مولاهم المدني أبو إسماعيل، صدوق، روى له الجماعة، مات سنة مائتين على الصحيح، "ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك" أي: قنت "ثم تركه،

<<  <  ج: ص:  >  >>