قال النووي: فالحديث من العام المخصوص ولا ينافيه تأكيده بكل، لأنها لا تمنع التخصيص، كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأقاف: ٢٥] "وكل ضلالة في النار" ثم يقول" صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى" أحق "بكل مؤمن من نفسه" في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمهم، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه، أو هو أولى بهم، أي: أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم، "من" مات و "ترك مالا فلأهله" وارثه، "ومن ترك دينا" لا وفاء له، "أو" ترك "ضياعا" بفتح الضاد عيالا عالة وأطفالا لا قدرة لهم على القيام بمصالحهم، فهم محتاجون إلى كافل يقوم بهم، "فإليّ وعليّ" يحتمل أنهما راجعان إلى كل واحد من المذكورين قبلهما، أي: من ترك ضياعا فلهم المجيء إليّ ويكون القيام بمصالحهم عليّ، ومن ترك دينا فلصاحبه التوجه إليّ ويكون أداؤه عليّ، وعبر "بعليّ" الدالة على الوجوب إيماء إلى عظم أمر الضياع وشدة القيام بمصالحهم وبيان التفاوت بينه وبين أداء الدين، فإن فيه بقاء النفس وهو أقوى المهمات، وفيه إشعار بأن ذلك تبرع بالنسبة إلى الدين فلصاحبه الإبراء وتحصل المثوبة بذلك بخلاف أمر الضياع، فالقيام بمصالحهم واجب قطعا. "رواه مسلم والنسائي من حديث" عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن "جابر" بن عبد الله. "وفي رواية لمسلم" من طريق سليمان بن بلال عن جعفر، عن أبيه، عن جابر قال: "كانت خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة": "نحمد الله ونثني عليه" بما هو أهله، "ثم يقول على أثر ذلك" بكسر الهمزة وسكون المثلثة، "وقد علا" ارتفع "صوته وذكر نحوه" لفظ مسلم، ثم ساق الحديث بمثله وفرق بين اللفظين عند المحدثين فإذا قالوا بمثله يريدون بلفظه وإذا قالوا نحوه أرادوا أنه بغير لفظه كما بينه في الفتح.