للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أصبعيه السبابة، والوسطى، ويقول: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في


أتاكم وقت المساء، والمراد الإنذار بإغارة العدو في الصباح أو المساء، "ويقول" صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة" بالرفع والنصب روايتان، فالنصب مفعول معه والرفع عطف على تاء بعثت وحسن للتأكيد بالضمير المنفصل "كهاتين". ويقرن بضم الراء على المشهور الفصيح، وحكي كسرها، قاله النووي بين أصبعيه السبابة والوسطى بيانا لقوله: "كهاتين" ورجح النصب، بأن التشبيه واقع في اتصال الساعة بمبعثه على أن شريعته متصلة بالساعة، وأنه لا نبي بعده، كما أنه لا أصبع بين هاتين الأصبعين وأنهما متصلتان، ورجح الرفع بأن التشبيه واقع في التفاوت الذي بين رءوس هاتين الأصبعين.
والمعنى: أن قيام الساعة قرب لزمان بعثه، كقرب التفاوت بين رءوس هاتين الأصبعين، وأن الزمان المتخلل بين بعثه وقيام الساعة قليل، كما أن التفاوت بين رءوس هاتين الأصبعين قليل، ويؤيد هذا ما رواه الترمذي عن أنس رفعه: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وأشار بعض رواته بالسبابة والوسطى فما فضل إحداهما على الأخرى، فهذا صريح في أن التشبيه واقع في التفاوت بين الأصبعين لا في الاتصال وأخرج أيضا عن المستورد بن شداد مرفوعا: "بعثت في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه لأصبعيه السبابة والوسطى". ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله" القرآن، سماه حديثا لنزوله منجما لا لكونه ضد القديم "وخير الهدي هدي محمد" بضم الهاء وفتح الدال فيهما وبفتح الهاء وسكون الدال فيهما. قال النووي: ضبطناه بالوجهين، وكذا ذكره جماعة بالوجهين، قال عياض: رويناه في مسلم بالضم، وفي غيره بالفتح، وبه ذكره الهروي وفسره بالطريق، أي: أحسن الطريق طريق محمد "صلى الله عليه وسلم" يقال: فلان حسن الهدي، أي: الطريقة والمذهب، وأما على رواية الضم، فمعناه الدلالة والإرشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] ، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩] .
وقال {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢] ، وإذا إضيف إلى الله فهو بمعنى التأييد والتوفيق والعصمة، كقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦] .
قال المصنف: وعلى التحقيق يرجع الكل إلى معنى واحد إذ الكل بخلق الله وقدرته وإرادته، وإنما يضاف إلى المخلوق لأنه كاسبه وواسطة في الإيصال، قال: ويرجح رواية الفتح والسكون مناسبته لقوله: "وشر الأمور محدثاتها" بفتح الدال، فإن المراد بها التي ليس لها في الشرع أصل يشهد لها بالصحة والجواز، قال: ويرجح المشهورة، أي: ضم الهاء وفتح الدال، بأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>