للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم مساكم". ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن


والجواب محذوف، أي: فقد أصاب السنة، وعلى التقديرين فينبغي للخطباء أن يستعملوها تأسيا واتباعا. انتهى ملخصا.
وقد ذكر البخاري في الترجمة ستة أحاديث، أولها حديث أسماء في كسوف الشمس، وفيه: فحمد الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد" ثانيها: حديث عمران بن تغلب "بفوقية فمعجمة" في قسم النبي صلى الله عليه وسلم مالا، فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد". ثالثها: حديث عائشة في صلاة الليل، وفيه: فتشهد ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها" رابعها: حديث أبي حميد الساعدي أنه قام عشية بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد"، خامسها: حديث المسور بن مخرمة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول: "أما بعد"، سادسها: حديث ابن عباس: صعد صلى الله عليه وسلم المنبر وكان آخر مجلس جلسه ... الحديث، وفيه: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد" ... الحديث في الوصية بالأنصار.
قال الحافظ: وقد تتبع طرق الأحاديث التي فيها أما بعد الحافظ عبد القادر الرهاوي، فرواها عن اثنين وثلاثين صحابيا، منها ما أخرجه عن المسور بن مخرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب خطبته، قال: "أما بعد". ورجاله ثقات، وظاهره المواظبة على ذلك، ويستفاد من الأحاديث أنها لا تختص بالخطب، بل تقال في صدر الرسائل والمصنفات.
"وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب" أي: وعظ "احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه" ليتوجه الناس إلى استماع كلامه بجوامع هممهم، ويعرفون أن ذلك في الإبلاغ مهم جدا، بحيث أنه صلى الله عليه وسلم يبلغه بغاية الجد ونهاية الاجتهاد، ويبذل وسعه، لا سيما إذا كانت الخطبة مشتملة على ذكر الساعة وقربها. وفيه أن على الخطيب أن يعلي صوته ليسمع جميع من في مجلس وعظه، وأن تكون حركاته وأفعاله مطابقة لأقواله، فإن مطابقة قوله لفعله وموافقة علنه لسره هو الداعي إلى قبول أمره ونهيه والمفضي إلى استماع حلوه ومره، فإن سامع النصح إذا رأى الناصح فاعلا ما أمر به، تاركا ما نهى عنه بادر إلى قبول نصيحته، وأما اشتداد غضبه صلى الله عليه وسلم، فيحتمل كما قال عياض أن يكون لأمر خولف فيه شرعه، ويحتمل أن يريد أن صفته الغضبان برفعه صوته مبالغة في تبليغ ما يخطب.
ويؤيد هذا قوله "حتى كأنه منذر جيش" أي: كمن ينذر قوما من جيش عظيم قصد الإغارة عليهم، فكما أن المنذر يرفع صوته وتحمر عيناه ويشتد غضبه على تغافلهم، كذلك حاله صلى الله عليه وسلم عند الإنذار، يقول: "صبحكم" العدو، أي: أتاكم وقت الصباح "مساكم" العدو، أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>