للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل الشافعي لوجوب الجلوس بين الخطبتين بما تقدم، وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد الثناء: "أما بعد" كما قال البخاري.


وليس مراده أن أحدًا أنكر على معاوية ثم صلى معه حتى يعترض بأنه لا حاجة لذلك بعد حمله على أن كان لعذر، إنما مراده ما قدمه قبل ذلك بقرب في جملة أدلة الجمهور على وجوب القيام بقوله، وبحديث كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا، فأنكر عليه وتلا {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
وفي رواية ابن خزيمة: ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين، يخطب وهو جالس، يقول ذلك مرتين. انتهى. فكان كعبا صلى معه بعد إنكاره عليه مع كونه لا عذر له لأحد الأمرين المذكورين، ولا يشكل تنظيره بأن القيام هنا شرط عند المنكر بخلاف قصر السفر فرخصة يجوز العدول عنها إلى الإتمام، كما اعترضه بعض هذا، لأن مراده مطلق التنظير لخشية الفتنة أو الاجتهاد وإن اختلف حكم المسألتين.
قال الحافظ: وروى ابن أبي شيبة عن طاوس قال: أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر شحم بطنه، وهذا معضل يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن، قال: أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان، وكان إذا أعيا جلس ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب جالسا معاوية.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة قياما حتى شق على عثمان القيام، فكان يخطب قائما ثم يجلس، فلما كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما، ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدا، لأنه تبين أن ذلك لضرورة. انتهى.
"واستدل الشافعي لوجوب الجلوس بين الخطبتين" الذي قال الأكثر والأئمة الثلاثة أنه سنة "بما تقدم" من قوله في حديث ابن عمر: ثم يجلس فلا يتكلم، "وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ".
وتعقبه ابن دقيق العيد، بأن ذلك يتوقف على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخلة تحت كيفية الصلاة، وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل.
"وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد الثناء" على الله تعالى: "أما بعد" كما قاله البخاري" بمعناه حيث ترجم باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد. رواه عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الزين بن المنير: يحتمل أن "من" موصولة بمعنى الذي، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنها شرطية

<<  <  ج: ص:  >  >>