للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى مسلم من طريق سعد بن هشام عن عائشة قالت: إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة تعني: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [ألمزمل: ١] فقام النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه حولا، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضه.

وروى محمد بن نصر في قيام الليل من طريق سماك عن ابن عباس شاهدا لحديث عائشة في أن بين الإيجاب والنسخ سنة.


الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] .
"وروى مسلم من طريق سعد" بسكون العين "ابن هشام" بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من رجال الجميع، استشهد بأرض الهند، "عن عائشة" أوله عن سعد، قلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ، قلت: بلى، "قالت: إن الله افترض" أي: فرض "قيام الليل في أول هذه السورة تعني" عائشة: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} "فقام النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه حولا" حذف منه، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا "حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف" في قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] "فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضه" وهذا ظاهر في أنه كان فرضا عليه وعلى الناس، وقيل: فرض عليه وحده مندوب لغيره، لأنه خصه بالخطاب بـ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وقيل: لم يفرض لقوله: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} ، إذ ليست صيغة وجوب.
"وروى محمد بن نصر في قيام الليل من طريق سماك" بكسر السين وخفة الميم وكاف ابن الوليد الحنفي اليمامي، ثم الكوفي، "عن ابن عباس شاهدا لحديث عائشة في أن بين الإيجاب والنسخ سنة" وكذا أخرجه محمد بن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي, والحسن وعكرمة وقتادة بأسانيد صحيحة عنهم، وإنما احتاج حديث عائشة مع صحته إلى شاهد، لأنها خولفت، فروى ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: لما أنزل الله على نبيه {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله بعد عشر سنين {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: ٢٠] ، إلى قوله: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} فخفف الله عنهم بعد عشر سنين.
قال الحافظ: ومقتضى ذلك، أي: حديث عائشة ومن وافقها أن النسخ وقع بمكة، لأن الإيجاب متقدم عن فرض الخمس ليلة الإسراء وكانت قبل الهجرة بأكثر من سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>