للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت عائشة: قام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، وفي رواية: حتى تفطرت قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا". قالت: فلما بدن وكثر لحمه صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع. رواه البخاري ومسلم.


يعني: حديثها السابق ودلالته ليست بقوية لاحتماله، "وقالت عائشة" رضي الله عنها: "قام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه" غلظت وانتفخت من كثرة التهجد، "وفي رواية" عن عائشة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل "حتى تفطرت" أي: تشققت "قدماه" من كثرة القيام.
قال البخاري: والفطور الشقوق انفطرت: انشقت، وللنسائي عن أبي هريرة حتى تزلع قدماه، بزاي وعين مهملة، قال الحافظ: ولا اختلاف بين هذه الروايات إذ حصل الانتفاخ والورم وحصل الزلع والتشقق، "فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا". كثير الشكر، وخص العبد بالذكر إشعارا بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى، والعبودية ليست إلا بالعبادة والعبادة عين الشكر.
"قالت" عائشة: "فلما بدن" بفتح الموحدة والدال المهملة كذا رواه العذري وارتضاه أبو عبيد، أي: كبر وأسن، وقال عياض بدن بضم الدال مخففة، كذا رويناه عن الأكثر وعن العبدري بالتشديد وأراه إصلاحا، وقال أبو عبيد: من رواه بضم الدال المخففة فليس له معنى، لأنه من البدانة وهي كثرة اللحم ولم يكن صلى الله عليه وسلم سمينا ولا ينكر التخفيف فقد صحت به الرواية، وقد جاء معناه مفسرا من قول عائشة: فلما كبر وأخذ اللحم، وفي رواية أسن وكثر لحمه وقول أبي عبيد لم يكن ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم صحيح، لأنه لم يكن في أصل خلقته بادنا كثير اللحم لنه لما أسن، وضعف عن كثير مما كان يحتمله في حال النشاط من الأعمال الشاقة استرخى لحمه، وزاد على ما كان في أصل خلقته زيادة يسيرة بحيث يصدق عليه ذلك الاسم، قاله القرطبي.
وقال النووي: الذي ضبطناه ووقع في أكثر نسخ بلادنا بالتشديد "وكثر لحمه صلى جالسا فإذا أراد أن يركع قام، فقرأ" في رواية للشيخين حتى إذا بقي نحو من ثلاثين آية أو أربعين آية قام فقرأهن، "ثم ركع، رواه البخاري ومسلم" ولا يخالفه حديث عائشة في مسلم أيضا كان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد لحمله على حالته الأولى قبل أن يدخل في السن جمعا بين الحديثين، ولأبي داود

<<  <  ج: ص:  >  >>