للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف بمن أثقلت ظهره الأوزار، ولا يأمن من عذاب النار، أن يغفل حال شبيبته، ويتوانى عند ظهور شيبته، فينبغي للإنسان أن يستعد قبل حلول شيبه. "اغتنم خمسا قبل خمس ... وشبابك قبل هرمك". فإن من شاب فقد لاح صبح سواد ليل شعره، وقد قال الله تعالى منذرا لمن يدخل في الصباح: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: ٨١] فكيف بقرب من دخل في الصباح، وظهر كوكب نهاره في أفق رأسه ولاح؟!

قال القرطبي: ظن من سأله صلى الله عليه وسلم عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفا من الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا


"حال شبيبته" صباه "ويتوانى" أي: يتكاسل عند ظهور شيبته بياض شعره المؤذن بالرحيل، "فينبغي للإنسان أن يستعد قبل حلول شيبه" المؤدي إلى العجز عن الطاعة فيندم على ما فرط في جنب الله، أي: طاعته، وقد أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اغتنم خمسا قبل خمس" أي: افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء إلى أن قال في الخصلة الرابعة: "وشبابك قبل هرمك" أي: اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك، "فإن من شاب فقد لاح صبح سواد ليل شعره" أي: بياضه الساطع المزيل للسواد وآثاره كناية عن الموت المزيل للحياة اللازم للشيخوخة عادة فطلوع النهار بعد سواد الليل مزيل لآثاره، كما أن قوة بياض الشعر واستكمالها مزيل لسواده الذي هو علامة الشبوبية وبلوغ الآمال.
"وقد قال الله تعالى منذرا لمن يدخل في الصباح" الذي أوعدوا بحلول العذاب فيه عليهم: {إِنَّ مَوِْدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيب} فكيف بقرب من دخل الصباح" بالفعل كناية عن الدخول في علامات الموت "وظهر كوكب نهاره في أفق" بضم الهمزة والفاء وتسكن، أي: ناحية "رأسه ولاح" ولفظ الحديث لتتميم الفائدة عن ابن عباس، رفعه: "اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك".
أخرجه البيهقي في الشعب وشيخه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما عن ابن عباس، ورواه النسائي والبيهقي وأبو نعيم عن عمرو بن ميمون مرسلا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسا" فذكره.
"قال القرطبي" أبو العباس في المفهم: "ظن من سأله صلى الله عليه وسلم عن سبب تحمله المشقة في العبادة" بقوله: لم تصنع هذا وقد غفر الله لك؟ "أنه إنما يعبد" بالبناء للمفعول "الله خوفا من

<<  <  ج: ص:  >  >>