للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خشي الملل ينبغي له أن لا يكد نفسه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". انتهى.

لكن ربما دست النفس أو الشيطان على المجتهد في العبادة بمثل ما ذكر، خصوصا إذا كبر، فتقول له: قد ضعفت وكبرت فأبق على نفسك لئلا ينقطع عملك بالكلية، وهذا وإن كان ظاهره جميلا لكن فيه دسائس، فإنه إن أطاعه فقد يكون استدراجا يئول به إلى ترك العمل شيئا فشيئا، إلى أن ينقطع العمل بالكلية، وما ترك سيد المرسلين، المغفور له، شيئا من عمله بعد كبره.

نعم كان يصلي بعض ورده جالسا بعد أن كان يقوم حتى تفطرت قدماه،


النسائي من حديث أنس" ومر الكلام عليه مبسوطا "فأما غيره صلى الله عليه وسلم" قسيم قوله: فكان لا يمل من عبادة ربه والفاء واقعة في جواب شرط مقدر هو، وحيث علم ذلك علم أن غيره ليس مثله، "فإذا خشي الملل ينبغي له أن لا يكد" بضم الكاف، أي: يتعب "نفسه" بحيث يؤدي إلى السآمة، "وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا من الأعمال" صلاة وغيرها "ما تطيقون، فإن الله لا يمل" من الثواب "حتى تملوا" من العمل وإسناد الملال إليه سبحانه على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر أحد اللفظين موافقة للآخر وإن تخالفا معنى قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وإلا فالملال على الله محال، وقيل فيه غير ذلك. "انتهى".
"لكن ربما دست" أتت بأمر خفي من دسه في التراب "النفس أو الشيطان على المجتهد في العبادة بمثل ما ذكر خصوصا إذا كبر" بكسر الباء أسن "فتقول له: قد ضعفت" بضم العين "وكبرت فأبق" بقطع الهمزة "على نفسك" ي: ارحمها "لئلا ينقطع عملك بالكلية" أي: جملة "وهذا وإن كان ظاهره جميلا" حسنا "لكن فيه دسائس" جمع دسة أمور خفية، "فإنه إن أطاعه فقد يكون استدارجا يئول به إلى ترك العمل شيئا فشيئا إلى أن ينقطع العمل بالكلية" الجملة "وما ترك سيد المرسلين المغفور له" الممنوع المستور عن الوقوع في ذنب "شيئا من عمله بعد كبره" أي: دخوله في السن، "نعم كان يصلي بعض ورده جالسا بعد أن كان يقوم حتى تفطرت" تشققت "قدماه" وفي مسلم عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرا كاملا غير رمضان، "فكيف بمن أثقلت ظهره الأوزار ولا يأمن من عذاب النار أن يغفل" بضم الفاء

<<  <  ج: ص:  >  >>