للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنهسوه بأسيافهم حتى قتلوه.

وأخرج البيهقي عن عروة أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة منهم: الزنيرة، فذهب بصرها، وكانت ممن تعذب في الله، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى فقالت: والله ما هو كذلك فرد الله عليها بصرها.

والزنيرة: بكسر الزاي وتشديد النون المكسورة، كسكينة: كما في القاموس.


ابنه عليا لأشغلهم فقتلوه، ثم تبعونا وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا، قلت له: آبرك، فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه "فنهسوه" تناولوه "بأسيافهم حتى قتلوه" ففيه استعارة تصريحية تبعية شبه ضربهم بالسيوف بالنهس بالمهملة أخذ اللحم بمقدم الأسنان للأكل وبالمعجمة أخذه بالأسنان والأضراس، وفي نسخة: فنهبوه بموحدة وهو استعارة أيضًا، شبه ما ذكر بالنهب وهو أخذ المال بالغلبة والقهر فظهر مصداق، وأعلم أن النصر مع الصبر صبر على تعذيبه له فكان قتله على يديه قبل، فهناه الصديق بأبيات منها:
هنيئًا زادك الرحمن فضلا ... فقد أدركت ثأرك يا بلال
"وأخرج البيهقي عن عروة: أنا أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة" هم: بلال وعامر بن فهيرة وأم عنيس بعين مهملة مضمومة فنون، وقيل: بموحدة فتحتي فسين مهملة أمة لبني زهرة، كان الأسود بن عبد يغوث يعذبها، وزنيرة والنهدية وبنتها والمؤملية؛ كما في سيرة ابن هشام. وذكر ابن إسحاق أنه أعتق أبا فكيهة وابن عبد البر, وغيره أنه اعتق أم بلال، فاقتصار عروة على سبعة باعتبار ما بلغه فلا ينافي أنهم تسعة.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن الزبير، قال: قال أبو قحافة لأبي بكر: أراك تعتق رقابًا ضعافًا فلو أنك أعتقت رجالا جلدًا يمنعونك ويقومون دونك، فقال: يا أبة، إني إنما أريد له عند الله، فنزلت هذه الآية فيه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: ٥] ، إلى آخر السورة. "منهم الزنيرة" الرومية أمة عمر بن الخطاب أسلمت قبله، فكان يضربها "فذهب بصرها" عميت من شدة العذاب، "وكانت ممن يعذب في الله" وروى الواقدي أن عمر وأبا جهل كانا يعذبانها، "فتأبى إلا الإسلام" وكان أبو جهل يقول: ألا تعجبون إلى هؤلاء وأتباعهم لو كان ما أتى محمد خيرًا وحقًا ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد.
وأخرج ابن المنذر عن عون أبي شداد، قال: كان لعمر أمة أسلمت قبله، يقال لها زنيرة فكان يضربها على إسلامها حتى يفتر، وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيرًا ما سبقتنا إليه زنيرة، فأنزل الله في شأنها، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا} [الأحقاف: ١١] الآية، وروى نحوه ابن سعد عن الضحاك والحسن. "فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى" وعند البلاذري، فقال لها أبو جهل: إنهما فعلا بك ما ترين، فيحتمل أنهم تبعوه

<<  <  ج: ص:  >  >>