للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه -صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" , وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: إني لا أحمل هَمّ الإجابة, ولكن هَمّ الدعاء، فإن أتممت الدعاء علمت أن الإجابة معه. وفي هذا يقول القائل:

لو لم ترد نيل ما أرجو وآمله ... من جود كفك ما عوَّدتني الطلبا

فالله سبحانه يحب تذلل عبيده بين يديه، وسؤالهم إياه، وطلبهم حوائجهم منه، وشكواهم منه إليه، وعياذتهم به منه، وفرارهم منه إليه. كما قيل:


زاي- عن أبي هريرة, والخوزي مختلف فيه, ضعَّفه ابن معين، وقوَّاه أبو زرعة, وظنَّ ابن كثير أنه أبو صالح السمّان وليس كما قال، فقد جزم شيخه المزي بأنه الخوزي، قاله الحافظ "عنه -صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل" لفظ الترمذي: "إنه من لم يسأل" والضمير للشأن، أي: إنَّ الحال من لم يطل "الله" من فضله "يغضب عليه"؛ لأنه إمَّا قانط أو مستكبر, وكلّ موجب للغضب، قال الطيبي: معناه إنَّ مَنْ لم يسأله يبغضه, والمبغوض مغضوب عليه, والله يحب أن يُسْأَل. وقال ابن القيم: هذا يدل على أنَّ رضاه في مسألته وطاعته، وإذا رضي تعالى فكل خير في رضاه، كما أنَّ كل بلاء ومصيبة في غضبه, والدعاء عبادة، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] ، فهو تعالى يغضب على من لم يسأله، كما أن ابن آدم يغضب على من سأله:
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبنى آدم حين يُسْأَل يغضب
فشتان ما بين هذين، وسحقًا لمن علق بالأثر وبعد عن العين، قال الحليمي: لا ينبغي أن يُخَلَّى يوم وليلة عن الدعاء؛ لأن الزمن يوم وليلة, وما وراءهما تكرار، فإذا كان ترك الدعاء أصلًا يوجب الغضب، فأدنى ما في تركه يومًا وليلة أن يكون مكروهًا.
"وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: إني لا أحمل هَمَّ الإجابة ولكن هَمَّ الدعاء" لاحتياجه إلى الإخلاص والخضوع والذلة، وذلك لا يتيسر في كل وقت, "فإذا أتممت الدعاء" أتيت به على الوجه التام "علمت أن الإجابة معه" بوعد من لا يخلف الميعاد "وفي هذا يقول القائل: لو لم ترد نيل ما أرجو وآمله" بمد الهمزة وضم اللام- أرجو, "من جود كفِّك ما عودتني الطلبا" يعني: إنه اعتاد منه العطاء والإحسان متى قصده، فعلم أنه لا يريد منعه متى أتاه؛ إذ لو أراده ما أعطاه كلما أتاه, "فالله سبحانه يحب تذلل عبيده بين يديه, وسؤالهم إياه, وطلبهم حوائجهم منه, وشكواهم منه" تعالى؛ إذ هو الفاعل لما أصابهم من المكروه "إليه" سبحانه لا إلى غيره، فكأنهم يقولون: يا ربنا, أنت أصبتنا بما تعلمه، فأزله عنا "وعياذتهم:" التجاءهم واعتصامهم "به" عز وجل "منه" تعالى, "وفرارهم منه إليه" ألفاظ متقاربة المعنى "كما قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>