للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦] .

وفي الصحيح عن العباس أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك، فهل ينفعه ذلك؟ قال: "نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح".


"وأنزل الله في أبي طالب" أيضا "فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ، هدايته أو لقرابة، أي: ليس ذلك إليك، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وإنما عليك البلاغ ولا ينافيه قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] ؛ لأن الذي أثبته وأضافه إليه هداية الدعوة والدلالة والمنفي هداية التوفيق، "وفي الصحيح" للبخاري ومسلم "عن العباس، أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: إن أبا طالب كان يحوطك" بضم الحاء المهملة من الحياطة، وهي المراعاة وفي رواية: يحفظك، "وينصرك ويغضب لك" يشير إلى ما كان يرد به عنه من قول وفعل، وفيه تلميح إلى ما ذكره ابن إسحاق، قال: ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد، وكانت خديجة وزيرة صدق له على الإسلام يسكن إليها وكان أبو طالب له عضدا وناصرا على قومه فلما هلك نالت قريش منه من الأذى ما لم تطمع به في حياته، حتى اعترضه سفيه من سهاء قريش فنثر على رأسه ترابا، فحدثني هشام بن عروة عن أبيه، قال: فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته، يقول: "ما نالتني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب"، ذكره في الفتح.
"فهل ينفعه ذلك؟ قال: "نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح" بضادين معجمتين مفتوحتين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة وأصله ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار، قاله المصنف وغيره. وفي الفتح: هو من الماء ما يبلغ الكعب، ويقال أيضا: لما قرب من الماء وهو ضد الغمر والمعنى أنه خفف عنه العذاب، انتهى.
زاد في رواية: "ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"، وصريح هذا الحديث أنه خفف عنه عذاب القبر في الدنيا، كما يومئ إليه كلام الحافظ ويوم القيامة يكون في ضحضاح أيضا؛ كما في الحديث الآتي، ففي سؤال العباس عن حاله دليل على ضعف رواية ابن إسحاق؛ لأنه كانت تلك الشهادة عنده لم يسأل لعلمه بحاله، وقد قال الحافظ: هذا الحديث لو كان طريقه صحيحة لعارضه هذا الحديث الذي هو أصح منه فضلا عن أنه لا يصح، ويضعف ما ذكره السهيلي أنه رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم، لا أن مثل ذلك لا يعارض ما في الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>